للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[سوء تفاهم وفن الأسلوب]

لعل دراسة الأساليب أشد أبواب النقد تخلفا في أدبنا الحديث. ولعل تأثرنا بالأدب الأوربي كان أضعف في هذا الاتجاه من تأثرنا بالتفكير الأوربي، والذي يبدو لي هو أن هذه الظاهرة كانت من أكبر الأسباب التي عمت معنى الأدب عندنا وأنزلت الاضطراب بمنهجه؛ وذلك لأن الأدب كما قال لانسون: "هو المؤلفات التي تكتب لكافة المثقفين، وتثير لديهم بفضل خصائص صياغتها صورا خيالية أو انفعالات شعورية أو إحساسات فنية". فهو إذن غير التفكير الفلسفي، وهو غير التاريخ وغير النظريات الأخلاقية أو الاجتماعية أو السياسية، وإذا كان النقاد يجمعون على أن محاورات أفلاطون مثلا أو كتب برجسون أو تاريخ فرنسا لمشليه تدخل في الأدب؛ فذلك لأن في "صيغاتها ما يثير صورا خيالية أو انفعالات شعورية أو إحساسات فنية". وهذه حقيقة هامة يجب أن تستقر في نفوسنا حتى لا يذهب جهد أدبائنا فيما لا أدب فيه ولا ضمان معه للخلود. الأدب صياغة.

والناظر في أدبنا الحديث يجد عدة أنواع من الأساليب؛ فثمة أسلوب طه حسين الذي يعرفه الجميع، أسلوب سمح تسلم الصفحة منه عند أول قراءة كل ما تملك، فلا تشعر بالحاجة إلى أن تعود تستوحيها جديدا، ولكنك رغم ذلك تحمد للكاتب يسره، أسلوب واضح الموسيقى، يكشف في سهولة عن أصالته، فيقلده الكثيرون بوعي منهم أو بغير وعي، ولكنه مع ذلك موسيقى نفس. أسلوب عذب.

"إن السعادة لخير ما يحقق مذهب "أنشتين" في النسبية. فكل شيء في الحياة من لذة وألم نسبي.. وليست اللذة والألم يعتمدان على الشيء الخارجي فحسب، بل هما نتيجة تفاعل بين الشيء الخارجي والنفس، ويختلف هذا التفاعل اختلافا كبيرا باختلاف النفوس، فليس الألم من الحر والبرد يعتمد على درجة الحرارة وحدها؛ بل إن صح أن يكون الترمومتر مقياسا لحرارة الجو فلا يصح أن يكون مقياسا لألم النفس من الحر، وليس لهذه الحال ترمومتر مشترك يتساوى فيه

<<  <   >  >>