للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[خلط بين القيم]

يقول ديهامل: "إن دليل الصحة هو أن لا يفكر الفرد في جسمه، فهو يتخد كل يوم بعض الاحتياطات الأولية، وبذا تتم عنايته، فيأكل ويشرب ويغتسل ويغدو إلى أعماله، فهل تراه من ساعة إلى ساعة ومن دقيقة إلى أخرى يتساءل في لهفة عن حركة بنكرياسه أو غدده الكلوية؟ أبدا. بل إن هناك مجالا للأمل في أن يجهل حتى اسمها وحتى موضعها من الجسم، فإذا أحسن بمعدته دل ذلك على أن هذه المعدة ليست في حالة جيدة".

وما يصدق على صحة الجسم يصدق على اتزان الهيئة الاجتماعية وسلامة بنائها، فعندما نسمع أصواتا ترتفع من كل جانب تنادينا بأن نضع الأدب في خدمة الحياة الراهنة ومعالجة مشاكلها، وأن تقف أقلامنا على الحديث عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وعندما نرى كل محاولاتنا في توسيع أفق الفكر أو إرهاف الحس توصف بأنها "هراء مسخته رغبة المهارة وخلبته صفة البراعة وحب الظهور، حتى انحط عن بعض ألعاب التسلية. أو صار وسيلة للكسب ومطية لخدمة الأغراض الخاصة ... إلخ"، مما تفضل فجاد به صاحب مقال، "ما بعد المنهج الفقهي" عندما يحدث كل ذلك لا نملك إلا أن نصيح في عزم وقوة بأن الهيئة الاجتماعية التي نعيش بينها مريضة، وأن واجبنا وواجب كل من يستطيع شيئا في هذا السبيل أن يعلم لتشخيص الداء والتماس الدواء.

أما أننا نعيش في هيئة اجتماعية مريضة، فذلك ما لا يقبل الشك، وفي وفرة ما يكتب اليوم عن حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية أكبر دليل على ذلك المرض، وإنه لمن الواجب -كما قلت- أن نلتمس العلاج، والآفة الكبرى التي لا بد من تسليط الضوء عليها هي آفة الخلط بين القيم.

في المقالة التي أناقشها الآن خلط بين أشياء لم تفهم، فالكاتب قد خلط بين الأدب وغيره من مواضيع الكتابة كالسياسة والاجتماع والاقتصاد كما خلط بين الأدب ومنهج دراسة الأدب.

خلط الكتاب بين الأدب وغيره من الأبحاث، ومصدر الخلط في تفكيره إنما أتاه

<<  <   >  >>