والجرجاني فأمر عجب، إن حاولنا بعث تراثنا القديم قال أمثالك: هذا هراء، وإن حاولنا نقل التراث الغربي قلتم: هؤلاء مترجمون، فماذا تريدوننا أن نفعل؟ أظن أنه الصمت.
هناك شيء يجب أن نقوله: وهو أننا اليوم في مرحلة يجب أن تتوفر فيها كل الجهود على أمرين١ نشر الكتب العربية القديمة ودراستها وبعثها٣ نقل التراث الأوربي عن سبيل الترجمة، ومن الواجب أن يفهم الجميع أن النشر والترجمة هما أشرف عمل وأنبل نشاط نستطيع التوفر عليه الآن، بل أقول: إنه من الضروري أن نعرف معنى التواضع والأمانة العقلية وروح العلم الصحيح، وأن نشرب أنفسنا بالوطنية، فنعمل مخلصين لمصلحة بلادنا بنشر تراثنا القديم ونقل التراث الغربي كاملين، فعندئذ يحق لنا أن نفخر بعملنا، وأن نعتز بمجهودنا إذ نكون قد مهدنا لنهضة وطننا نهضة حقيقية لا كتلك التي تخدعك اليوم، وما هي إلا بهرج زائف ونصب عقلي.
أي نفع لبلادنا بل لأنفسنا في أن ندعي أن التأليف ويكون عملنا هو عدم أمانة في الترجمة، نترجم ما يسهل علينا فهمه ونهمل ما يشق، ثم ننثر حول النص الأوربي شيئا من هذياننا الشخصي، وبعد ذلك نعدي أننا قد ألفنا كتبا. ومن يستطيع في هذا البلد أن يدرك أصالتك -إن كانت لك أصالة- وأنت تتكلم عن نصوص ومؤلفين ومؤلفات مجهولة من الجميع.
إن كان صاحب المقال حريصا على موضوع أدبي علمي يكتب فيها فيصيب من ورائه المجد، فأنا أدله على ذلك الموضوع الذي لا يقل أهمية عن المسائل الاقتصادية. وذلك هو أن يحمل الحكومة على إنشاء وزارة للنشر والترجمة، لا تقل ميزانيتها عن ميزانية أكبر وزارة، وأن يكون عملها، نشر الكتب العربية القديمة، وترجمة عيون الأدب والفلسفة والتاريخ والجغرافيا والكيمياء ... إلخ الموجودة الآن بالعالم العربي.
عندئذ سأومن بأن كل مشاكلنا ستحل، وأن أفراد الشعب سيجدون تلك الحلول ويملونها على حاكميهم، فإن لم يستطع كاتبنا أن يقوم بحملة كهذه رجوته أن يتركنا الأستاذ خف الله، وأنا نقتتل رغم صادقتنا الشخصية حول منهج الأدب وحقائق اللغة، فمن يدرينا لعل الهنات وأن تخصب نفسنا أو تشق خيالا أو تهذب ذوقا.