للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأينا لغة كمية تتميز مقاطعها بعضها عن بعض بالطول والقصر، ولكن اللغة الفرنسية فقدت هذه الخاصية كما فقدت الارتكاز أيضا. فكل لفظة لاتينية كانت في العادة تحمل ارتكازا على المقطع السابق الأخير، وذلك ما لم يكن هذا المقطع قصيرا فإن الارتكاز يسمو في هذه الحالة إلى المقطع الثالث من الآخر، ولكن هذا الارتكاز سقط من الفرنسية بسقوط الكثير من أواخر الكلمات اللاتينية الأصل.

فقدت اللغة الفرنسية -إذن- الكم والارتكاز، فعلى أي أساس يقوم -إذن- الشعر فيها؟ الواقع أن موسيقى الشعر الفرنسي ليست في جوهرها موسيقى إيقاع ولكنها موسيقى سيالة دقيقة، ومع ذلك فالأمر فيها ليس أمر مقاطع متشابهة؛ كل عشرة أو اثني عشر أو غيرها تكون بيتا من الشعر، بلا لا بد أن يكون هناك تقسيم لهذه المقاطع في وحدات موسيقية إيقاعية إلى حد ما. فالوزن الإسكندري مثلا ينقسم عن معظم الشعراء الكلاسيكيين إلى أربع وحدات كبيت راسين:

Oue je viens dans son temple adorer l'Eternel١.

فيه نرى تفعيلة مكونة من ثلاثة مقطاع "حرف e في آخر كلمة Temple يحذف في القراءة". ولكن هذه المقاطع لا يتميز بعضها عن بعض بكم ولا ارتكاز، وإنما يأتي الإيقاع من وجود ارتكاز شعري على آخر مقطع من كل تفعيلة وقد رمزنا له باعلام " ً" وهذا الارتكاز -كما قلنا- ارتكاز ضغط وارتفاع معا في التفاعيل الثلاثة الأولى، وارتكاز ضغط فقط في التفعيل الأخير لسقوط الصوت عند الوقف.

هذا هو التقسيم الشائع عن الكلاسيكيين٢. وأما الرومانتيكيون فقد اعتزوا بالتقسيم الثلاثي. ففكتور نفسه قد افتحر بتمزيق أوصال الوزن الكلاسيكي لهذا البحر في بيت ثلاثي شهير هو:

١- j' ai desloque ce grand niais d'alexandrin

وهو مقسم كما ترى إلى ثلاثة تفاعيل، كل تفعيل أربعة مقاطع، وأما عن الإيقاع فيأتي من الارتكاز على أواخر الجمل كما ذكرنا بالنسبة للبيت السابق.

هذا والتفاعيل الفرنسية ليست دائما متساوية في عدد مقاطعها، ولقد كتب الأستاذ الكبير جرامو Grammont كتابا مهما جدا بعنوان:

Le vers francais, ses moyens d'expression, son harmonie.


١ وترجمته: "نعم. لقد أتيت أعبد الرب الخالد في معبده".
٢ يسمى الأستاذ الزيات الكلاسيكيين بالاتباعيين والرومانتيكيين بالاتباعيين ولكنهم جميعا كانوا في الحق اتباعيين: الكلاسيكيون أخذوا عن اليونان، والرومانتيكيون أخذوا من القرون الوسطى أي عن الأدب الروماني وهو ذلك الأدب الذي كتب باللغة أو اللغات الرومانية Langues Romanes واللغة الفرنسية إحدى هذه اللغات، فالرومانتيكيون قد فضلوا أن يستوحوا أدبهم القومي من القرون الوسطى بدلا من الرجوع إلى قدماء الإغريق واللاتين، وهذا هو سبب تسميتهم بالرومانتيكيين.

<<  <   >  >>