للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معنى ذلك الهمس، فقال البعض: إنني أتعصب لنوع من الأدب يستجيب له مزاجي الخاص. ولكن الأمر ليس أمر تعصب، كما أنه ليس ضيقا في النفس يمنعها عن الإصغاء لغيره من الأدب، وإنما هو إيمان بروح إنسانية قوية أحسها في ذلك الأدب، روح نافذة موحية. ومن عجب أن نقول: إن الشعر الخطابي إذا خلا من موسيقى اللفظ وقوة النفس اللذين نجدهما عند المتنبي في الشرق وهيجو في الغرب مثلا -أفسدت الخطابة الشعر، ثم يأتي من يقول: إننا لا نطرب لشعر المتنبي.

الشاعر العظيم هو من ينجح في أن يهزك، وهو قد يستطيع ذلك بضخامة موسيقاه كما قد يستطيعه برقتها، وأما أولئك الذين تقرأ لهم فلا ينبض منك حس، ولا يهتز قلب، فلست أدري من أين يأتيهم الشعر، ولقد تصفحت مثلا "أعاصير مغرب" فعجبت لمن يجرءون على تسميتها شعرا، وهي نثرية في مادتها، نثرية في أسلوبها، نثيرية في روحها، ونثريتها بعد مبتذلة سميكة، حتى الإحساس فيها شيء لا يطمئن إليه النفس.

الأدب الجيد لا بد أن يلونه الإحساس، وصاحب "أعاصير مغرب" من الكُتَّاب الذين قد تبهرك مهارتهم العقلية في التخريج، ولكنني لا أذكر -إلا في النادر الذي لا يذكر- أنه قدا ستطاع يوما أن يحرك في نفسي إحساسا، فكيف له يقول الشعر؟ وكيف يجوز لنا أن نقارن شعرا "كالأعاصير" ونحوها بشعر المهجر الحي؟

أنا لا أريد أن أملي ذوقي على أحد، ولكنني أحاول أن أبصر بالقيم الإنسانية التي يجب أن يتجه إليها أدبنا إذا أردنا أن نلحق بغيرنا، بدلا من الجمود على الباطل الذي نحن فيه.

<<  <   >  >>