للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقد على إطلاقه كما ذهب أبو حنيفة، وإنما عد العقد شبهة إذا كان النكاح محلًا للخلاف بين الفقهاء، أو كان التحريم مؤقتا فقط.

إما إذا كانت المعقود عليها محرمة على من عقد عليها لنفسه تحريمًا تأبيديا بحيث لا يمكن أن تكون حلالًا له قط، كأمه أو أخته، أو ابنته مثلًا، أو كان النكاح مجمعًا على بطلانه، كما إذا عقد على امرأة في عصمة رجل آخر، فإن العقد في هاتين الحالتين لا يمكن أن ينتج علنه شبهة تدرأ الحد، ولذا أوجبوا الحد إذا حدث دخول في هاتين الحالتين، إلا إذا ادعى من دخل أنه ظن أن ذلك حلالًا، وأن الأمر اشتبه عليه، فهنا يدرأ الحد عنه١، والحد وإن سقط حينئذ فسقوطه بسبب قيام شبهة الجهل التي تنفي القصد الجنائي عند الفاعل، وليس لقيام شبهة العقد، وما ذهب إليه الجمهور، ووافقهم عليه الصاحبان هو ما أرى ترجيحه والعمل به، إذ أن الجاني بالدخول في ظل عقد على من حرمت عليه تحريمًا تأبيديا لا خلق له ولا دين، إذ كيف يقدم على الدخول بأمه، أو بأخته أو بابنته، ثم بعد ذلك يطمع في أن يسقط الحد عنه لتمسحه في عقد باطل؟.

وكيف يتأتى لأحد أن يعقد هذا العقد، أو يشهد عليه؟

مما لا شك فيه أن ذلك لا يتأتى إلا من فاجر فاسق يجب أن ينزل به من العقاب الموجع ما يزجره، ويردعه هو من تسول له نفسه الإقدام على شيء من ذلك، والاعتداء على حرمات الله اعتداء لا يقع إلا مع شاذ


١ بدائع الصنائع ج٧ ص٣٦، فتح القدير ج٥ ص٢٥٩-٢٦٠.

<<  <   >  >>