للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأصوليين والفقهاء من أن الأمة كانت في دار الإسلام تعذر بجهل أحكام الشريعة لتشاغلها بخدمة سيدها، وقد يكون مسلمًا بل من علماء المسلمين، فماذا عسى أن يقولوا على مقتضى هذا الاتجاه الفقهي السليم في شأن أولئك الذين شغلهم فوق ما شغل تلك الأمة من العدو، وراء مطالب الحياة اندفاعًا في فلك الدهر، وسيرًا مع عجلة الحياة التي لا ينقطع بها السير في لحظة من اللحظات مع بعدهم عن موجهات الدين، واللوافت إليه من العلماء، وأمراء وعدم التفكير في شيء من ذلك، ولا محاولته مع تمام الجهل بلغته التي كان يجب أن نفكر في إيصالها إليهم، كما فكرنا في إيصال لغاتهم إلينا١، هذا وإن كان الجهل بسبب الانشغال بمطالب الحياة أمرًا يعذر به المسلم، ومن يقيم بدار الإسلام، فإن العذر بهذا يقبل القول به في غير ما يوجب العقوبة الحدية، أما ما يوجبها، فالجهل بحكمة لا يقبل الاعتذار به؛ لأن أحكام ما يوجب العقوبة الحدية من الأحكام التي تعلم من الدين بالضرورة، والاعتذار بالجهل بها لا يقبل؛ ولأن العلم بها لا يقصد به العلم بالفعل فقط، وإنما يشمل أيضًا مجرد إمكان العلم بالحكم الشرعي، فالعلم بالقوة ينزل منزلة العام بالفعل ويقوم مقامه، لذا لا يعذر بالغ عاقل بجهله بما فرض عليه، وطلب منه الالتزام به على وجه القطع طالما يسر له علم ما فرض، ومعرفة ما حرم عليه، بالرجوع إلى نصوص القرآن والسنة، وبسؤال أهل العلم ما دام قادرًا على ذلك، وفيما يأتي بيان لقصص الجهل المذكورين:


١ الإباحة عند الأصوليين والفقهاء ص٥١٦ ط دار النهضة
العربية سنة ١٩٦٥م.

<<  <   >  >>