للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تنعدم معه، ويذهب الرضا، ولا يوجد اختيار مع وجود هذا الإكراه، إذا فإن القصد الجنائي ينعدم بوجوده، وتندرئ به العقوبة الحدية فيما عدا ما يجب بارتكاب جريمة القتل، أو قطع الطرف أو الضرب المهلك، فالإكراه على ارتكاب مثل هذه الجرائم لا ينتج عنه إعفاء المكره -بفتح الراء- من العقوبة الجنائية١؛ لأن الفقهاء أجمعوا على أن من أكره على قتل غيره لا يجوز له الإقدام على قتله، ولا انتهاك حرمة بجلد أو غيره، فلا بد للمكره أن يصبر على البلاء الذي ينزل به، ولا يحل له أن يفتدي نفسه بغيره٢.

أما ما عدا القتل، فأقوال الفقهاء متغايرة في درء الحد أو إقامته، ففي جريمة الزنا اتفق الفقهاء على أن المرأة التي تستكره على الزنا لأحد عليها، وهذا ما قضى به عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في الوليدة التي استكرهت على الزنا، فقد ذكر ابن قدامة أنه: "لا حد على مكرهة في قول عامة أهل العلم، وروي ذلك عن عمر والزهدي، وقتادة والثوري، والشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفًا، وذلك لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "عفى لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه وعن جابر بن وائل عن أبيه: "أن امرأة استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدرأ عنها الحد" ... "إلى أن يقول ابن قدامة"، أتي عمر بامرأة قد زنت، فقالت: إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قد جثم علي فخلى سبيلها ولم يضربها؛ ولأن هذا شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات


١ الإباحة عند الأصوليين والفقهاء ص٣٩٠-٣٩١.
٢ المغني: ج٧ ص٦٤٥، والمهذب: ج٢ ص١٨٩، وبدائع الصنائع ج٧ ص١٧٩، والبحر الرائق: ج٨ ص٧٤، ومواهب الجليل: ج٦ ص٢٤٢، والخرشي ج٨ ص٨٠، والجامع لأحكام القرآن: ج٥ ص ٣٧٩٩، والإباحة عند الأصوليين والفقهاء ص٣٩٠.

<<  <   >  >>