للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا فرق بين الإكراه بالإلجاء، وهو أن يغلبها على نفسها، وبين الإكراه بالتهديد بالقتل ونحوه١.

أما بالنسبة للرجل الذي أكره على الزنا، فإن الإمام أبا حنيفة يرى أنه إذا كان الذي أكرهه هو السلطان، فلا حد عليه، وإن أكرهه غير السلطان حد عند أبي حنيفة؛ لأنه يرى أن الإكراه من غيره لا يدوم إلا نادرًا، ولتمكن المكره -فتح الراء- من الاستعانة بالسلطان، أو بجماعة المسلمين، أو يدفع الإكراه عن نفسه بالسلاح، وقال الصاحبان: لا يحد؛ لأن الإكراه كما يتحقق من السلطان يتحقق

من غيره، ووافقهما الشافعي، وابن المنذر.

وقد علل أبو حنيفة رأيه بأن الزنا لا يتصور من الرجل إلا بعد انتشاره، وذلك دليل الطواعية، ورد على ذلك بأن الانتشار دليل متردد؛ لأنه قد يكون عن غير قصد؛ لأن الانتشار قد يكون طبعًا لا طوعًا كما في النائم، فأورث شبهة٢.

وهذا الرأي الأخير هو ما أميل إليه، وأرجحه إعمالًا لما ذكر من حديث الرسول

-صلى الله عليه وسلم- برفع جرم الفعل الذي استكره عليه مرتكبه، طالما ليس هذا الفعل قتلًا، أو قطع أحد الأعضاء، أو ضرب مهلك.


١ المغني: ج٨ ص١٨٦-١٨٧، وذكر أستاذي الدكتور مدكور أن الإكراه بالتهديد بالقتل، أو يتر أحد الأعضاء، أو بالضرب الذي يخاف فيه تلك النفس أو
العضو، إكراه تام ويسمى بالإكراه الملجئ، وهو معدم للرضا أيضًا غير أن الاختيار لا يفسد به؛ لأن المكره يستطيع تحمل الأذى المهدد به، المدخل للفقه الإسلامي ص٣٣٦.
٢ فتح القدير: ج٥ ص٢٧٣، والخرشي/ ج٨ ص٨٠، والمغني: ج٨ ص١٨٧، والجامع لأحكام القرآن الكريم: ج٥ ص٣٧٩٩.

<<  <   >  >>