وإنما ينسحب اشتراط ذلك على كل إقرار تثبت به جريمة حدية، ويلزم المقر على أثر إقراره بالعقوبة المحددة من لدن الشارع الحكيم.
من هنا كان قول جمهور الفقهاء بعدم الاعتداد بإقرار الأخرس بإشارته، حتى ولو كانت الإشارة مفهمة؛ لأنها تحتمل الشبهة، ولا يفيد القطع واليقين، إذ هي تحتمل ما فهم منها وغيره، واحتمالها لذلك يجعلها إشارة غير مفيدة اليقين، وإقرار كهذا لا يعد دليل إثبات جناية حدية لاحتماله الشبهة التي يندرئ بها الحد.
يقول ابن قدامة:"وأما الأخرس، فإن لم تفهم إشارته، فلا يتصور منه إقرار، وإن فهمت إشارته، فقال القاضي: عليه الحد وهو قول الشافعي، وابن القاسم صاحب مالك، وأبي ثور وابن المنذر؛ لأن من صح إقراره بغير الزنا صح إقراره به كالنطق، وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يحد بإقرار ولا بينة؛ لأن الإشارة تحتمل ما فهم منها وغيره، فيكون ذلك شبهة في درء الحد لكونه مما يندرئ بالشبهات، ولا يجب بالبينة لاحتماله أن يكون له شبهة لا يمكنه التعبير عنها، ولا يعرف كونها شبهة، ويحتمل كلام الخرقي أن لا يجب الحد بإقراره؛ لأنه غير صحيح؛ ولأن الحد لا يجب مع الشبهة، والإشارة لا تنتفي معها الشبهات"١.
هذا ما قال به جمهور الفقهاء الذين يرون عدم الاعتداد بإقرار الأخرس في إثبات الجرائم الحدية.
أما من قالوا بالاعتداد به أن أفهم قياسًا منهم على أنه ثبت به غير الزنا، فكلمة غير هنا عامة، ويجوز أن يقصد بها أنه يثبت به بعض الجنايات غير الحدية، وحتى لو جاز أنهم يقصرون بغير لازنا بعض الجنايات الحدية الأخرى، فإنها لو ثبت بإشارة الأخرس لما لزم بهذا