الجنايات الحدية الأخرى، فإنها لو ثبت بإشارة الأخرس لما لزم بهذا الإثبات الحد لاحتمال الشهبة، وهؤلاء الفقهاء الذين ذكر ابن قدامة أنهم يعتدون بإشارة الأخرس المفهم، قد ورد عنهم القوم بدرء الحدود بالشبهات، وإشارة الأخرس لا تخلو عن شبهة.
هذا وإن كنت أميل إلى أن الأخرس لو كان يحسن الكتابة، والقراءة فكتب إقراره، ثم راجعه القاضي عن طريق الكتابة، واستفسر منه عن كل ما يمكن الاستفسار عنه، فأجاب الأخرس كتابة عن كل ذلك، وكانت إجاباته واضحة مفيدة ارتكابه الجناية الحدية إفادة واضحة، وصلت بالقاضي إلى حد اليقين، فإنه والحالة هذه تلزمه العقوبة الحدية بإقراره بهذه الصورة.
أما إذا لم يكن الأخرس يعرف الكتابة، فإنه لا يمكن أن تفيد إشارته الإقرار القاطع الذي يثبت به الحد؛ لأنها إشارة لا تفيد اليقين، وتبقى الشبهة عالقة بها، وعليه فإن الحد يندرئ عنه، ولا يلزمه.
٢ ألا يوجد ما يعارض صحة الإقرار أو يثبت نفيه؛ لأن وجود ما يعارض صحة الإقرار ينفي عن الإقرار صفة القطعية، ويلحق به شبهة، ومثل هذا لا يصلح دليل إثبات جنايته من الجنايات الحدية، فمن يقر بأنه سرق ذهبًا مثلًا من خزينة فلان الموجودة بمكان كذا، فأرسل القاضي يطلب صاحب الخزينة الذي حدده السارق في إقراره، فجاء الرجل وذكر بأنه ليست له خزينة في المكان الذي ذكر المقر، وظهر أن المكان لا يوجد فيه ما يسرق منه، أو ثبت أن الخزينة التي حددها المقر لم تفتح، ولم يسرق منها شيء، فإن مثل هذا الإقرار لا يعتد به، ولا يلزم المقر بمقتضاه العقوبة الحدية.
ومثل هذا أيضًا من يقر بأنه قتل فلانًا، فإذا بالذي زعم المقر أنه قتله حي يرزق، أو كان هذا الذي زعم المقر بأنه قتله موجودًا بمكان