للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما في النوع الأول، وهو الاعتداء على حق خالق لله خالص بالمجتمع، فالضرر قد وقع عامًا، ولذا فإنه لا يقبل عفو من وقع عليه الضرر المباشر؛ لأن دائرة من أصيبوا بالضرر قد تخطت حدود من أصيب مباشرة بالجريمة، وشملت المجتمع بأسره، ولا يتصور العفو من كل فرد في المجتمع عما أصابه حتى، وإن أمكن تصور ذلك فإنه قد بقي الاعتداء على حق الله سبحانه وتعالى، وليس من سلطان لأحد حينئذ بحيث يعفو عن الجاني أو يسامحه؛ لأن ذلك لله وحده.

ثالثًا: جرائم يقع الاعتداء فيها على حق الله سبحانه وتعالى، وحق للعبد غير أن حق العبد المعتدى عليه، وإن كان ظاهرًا وواضحًا، إلا أن حق الله سبحانه وتعالى قد غلبه، وذلك كما في جريمة القذف، فهذه الجريمة وقع الاعتداء فيها على حق الله سبحانه وتعالى، وحق للعبد.

غير أن المشروع غلب حق الله سبحانه وتعالى لما يترتب على هذه الجريمة من إشاعة الفاحشة، والتشكيك في الأعراض والأنساب.

لذا فإن أمر هذه الجريمة إذا وصل إلى القاضي، فلا شفاعة ولا عفو ولكن لا بد من إنفاذ العقوبة المقدرة عقابًا لمن أجرم بقذفه غيره، هذا في الدنيا ولقد أخبر الله سبحانه عن عذاب القاذف أيضًا في الآخرة بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} ١، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ٢.

بل إن من الفقهاء من ذهب إلى عد جريمة القذف من الجرائم


١ الآية ١٩ من سورة النور.
٢ الآية ٢٣ من سورة النور.

<<  <   >  >>