للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي يقع الاعتداء فيها على حق خالص لله سبحانه وتعالى، ووجهة نظر فقهاء الأحناف في قولهم بذلك أن حقوق العباد هي التي تجب فيها العقوبة بطريق المماثلة بين ما وقع من الجاني، وما يعاقب به، كما هو الحال في جرائم القصاص، أما ما لا تجب فيه العقوبة على أساس المماثلة بين الجريمة، وما يلزم به الجاني، فإنها كلها جنايات وقعت على حق الله، وكل جناية يرجع فسادها إلى العامة، ومنفعة جزائها تعود إلى العامة، يكون الجزاء الواجب فيها حقا لله تعالى عز شأنه على الخلوص، تأكيدًا للنفع والدفع كيلا يسقط بإسقاط العبد، وهو معنى نسبة هذه الحقوق إلى الله تبارك وتعالى، وهذا المعنى موجود في حد القذف؛ لأن مصلحة الصيانة ودفع الفساد يحصل للعامة بإقامة هذا الحد، فكان حق الله تعالى عز شأنه على الخلوص كسائر الحدود، إلا أن الشرع شرط فيها الدعوى من المقذوف، وهذا لا ينفي كونه حق لله عز وجل شأنه على الخلوص كحد السرقة، لا ينفي أنه خالص حق لله تعالى عز شأنه اشتراط الدعوى فيه. ولأن المقذوف يطالب القاذف ظاهرًا، وغالبًا دفعا للعار عن نفسه، فيحصل ما هو المقصود من شرع الحد؛ ولأن حقوق العباد تجب بطريق المماثلة إما صورة ومعنى، وإما معنى لا صورة؛ لأنها تجب بمقابلة المحل جبرًا، والجبر لا يحصل إلا بالمثل، ولا مماثلة بين الحد والقذف لا صورة ولا معنى، فلا يكون حقه.

وأما حقوق الله سبحانه وتعالى، فلا تعتبر فيها المماثلة؛ لأنهما تجب جزاء للفعل كسائر الحدود١.

وتعليل فقهاء الأحناف هذا، وإن كان له وجاهته إلا أنه غير ما عليه الجمهور، كما أنه لا بد من مراعاة ما بين الجرائم من مغايرة من حيث ما يتبع من إجراءات التقاضي؛ لأنها أمور جوهرية، ولازمة لا بد


١ البدائع للكسائي ج٩ ص٤٢٠٣ مطبعة الإمام.

<<  <   >  >>