للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويخلصه ممن تسلط عليه، بين ذلك ابن الهمام بقوله: "ومن أكرهه السلطان حتى زنى، فلا حد عليه ... فإن أكرهه غير السلطان حد عنه أبي حنيفة، لعدم تحقق الإكراه من غيره"١، وذهب الصاحبان إلى القول بعدم إيجاب الحد على المكره مطلقًا، سواء أكرهه السلطان، أو غيره ممن له سطوة، وقوة وخاف المكره التلف على نفسه.

وذكر السرخسي أن الاختلاف بين رأي الإمام، والصاحبين اختلاف عصر، فالسلطان كان مطاعًا في زمن أبي حنيفة، ولم ير لغيره السلطان من القوة ما يقوي به على الإكراه: فقال -الإمام: لا يتحقق الإكراه إلا من السلطان، ثم في عصرهما قد ظهرت القوة لكل متغلب، فقالا: يتحقق الإكراه من غير السلطان، وجه قولهما أن المعتبر خوف التلف على نفسه، وذلك يتحقق إذا كان المكره قدرًا على إيقاع ما هدد به، سلطانا كان أو غيره، بل خوف التلف هنا أظهر؛ لأن المتغلب يكون مستعجلًا لما قصده لخوفه من العزل بقوة السلطان، والسلطان ذو أناة بما يفعله، فإذا تحقق الإكراه من السلطان بالتهديد، فمن المتغلب أولى"٢، وعلى هذا فالخلاف بين الإمام، وصاحبه مرجعه اختلاف العصر، والزمان، وليس الحجة والبرهان.

٢- ذهب فقهاء الحنابلة إلى أن الرجل إذا أكره، فزنى لزمه الحد، ووافقهم في هذا بن الحسن وأبو ثور وزفر، ومبنى ذلك عندهم أن الوطء لا يكون إلا بالانتشار، والإكراه ينافيه، فإذا وجد الانتشار انتفى الإكراه، فيلزمه الحد، كما أكره على غير الزنا، فزنى٣.


١ فتح القدير ج٥ ص٢٧٣، المبسوط ج٩ ص٥٩.
٢ المبسوط ج٩ ص٥٩، فتح القدير ج٥ ص٣٧٣.
٣ المغني ج٨ ص١٨٧، المبسوط ج٩ ص٥٩، فتح القدير ج٥ ص٢٧٣.

<<  <   >  >>