ولا وجهة لهؤلاء فيما استدلوا به، إذ إن الانتشار قد يكون طبعًا لا طواعية بدليل ما قد يحدث للنائم من غير قصد ولا رغبة، وقد بين ذلك ابن حزم عند حديثه عن الإكراه على الزنى، بقوله: "لو أمسكن امرأة حتى زنى بها، أو أمسك رجل، فأدخل إحليله في فرج امرأة، فلا شيء عليه، ولا عليها، سواء انتشر أو لم ينتشر أمنى أو لم يمن، أنزلت هي أو لم تنزل؛ لأنهما لم يفعلا شيئًا أصلًا.
والانتشار والإمناء فعل الطبيعة، الذي خلقه الله تعالى في المرء، أحب أم أكره، لا اختيار له في ذلك١.
والذي أرجحه أن من أكره على الزنا إكراها يخشى منه التلف، ولم يجد بدا من الزنا، فلا حد عليه لانتفاء قصده، الجنائي سواء أكرهه السلطان، أو غيره ممن يستطيع تنفيذ ما أكرهه به، وما استدل به من أن الانتشار دليل الطواعية التي ينتفي معها الإكراه، قد وضح خلافه، وثبت أن الانشار قد يكون طبعًا من غير قصد.
هذه هي الحالات التي ينتفي القصد الجنائي لدى الفاعل فيها، وآراء فقهاء الشريعة في درء الحد عن الفاعل.
وما ذكر من آراء تفضي بعدم إيجاب العقوبة الجنائية على الفاعل هنا، قد شملت ما ذهب إليه فقهاء القانون، الذين سبق عرض آرائهم عند الحديث عن الشبهت التي تعتري القصد الجنائي.
وقد ذكر جانبًا من ذلك الأستاذ الدكتور، محمود مصطفى عند حديثه عن القصد الجنائي في جريمة الزنا، فقال:
١ المحلى ج٩ ص٢٧٠، ويراجع في هذا المدخل للفقه الإسلامي أ. د: سلام مدكور ص٨٢٧، نظرية الإباحة عند الأصوليين والفقهاء ص٣٩٠-٣٩١.