للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وزاد الإمام أبو حنيفة على ذلك اشتراط أن تكون أربعة إقرارات في أربعة مجالس متفرقة، بالنسبة للمقر نفسه، ويجوز أن كون القاضي الذي يحكم الواقعة في مكان واحد، ويحتسب مجيء المقر، وذهابه مرة.

ورأى أن ما يدل على ذلك هو ما سبق أن ذكره ابن قدامة، وأظهر منه في إفادة أن الإقرارات في مجالس ما في الصحيح، مما رواه الإمام مسلم، أن ماعزًا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فرده، ثم أتاه الثانية من الغد، فرده ثم أرسل إلى قومه، فسألهم: "هل تعلمون بعقله بأسًا"؟ فقالوا: ما نعلمه، إلا وفي العقل من صالحينا، فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضًا فسألهم: "فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة، فرجمه" ١.

وذهب الشافعية والمالكية، وبعض فقهاء الشيعة إلى أن الزنا يثبت بالإقرار الواحد، واستدلوا لذلك بما روي من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "أغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها"، فالرسول -صلى الله عليه وسلم لم يطلب من أنيس إلا الذهاب إلى المرأة وسؤالها، فإن أقرت رجمها، ولم يقيد الرسول -صلى الله عليه وسلم- الإقرار بأن يكون أربع مرات.

وما ذكر من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد راجع ماعزًا، حتى كرر إقراره أربع مرات، فإن ذلك راجع إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد شك في عقله، وإذا فقد سأله: "أبك جنون"؟، وسأل أهله، وذويه من عقله أيضًا.


١ فتح القدير ج٥ ص٢١٩-٢٢٠، نيل الأوطار ج٧ ص١٠٦-١١١.

<<  <   >  >>