للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما إذا كانت الجناية قد وقعت على حق من حقوق العباد، فإن تأخير تنفيذ العقوبة الحدية لا يترتب عليه أي أثر، ويلزم الجاني بها متى أمكن تنفيذها عليه.

وقد بنى الإمام أبو حنيفة، ومن وافقه قولهم هذا على أساس أن الإمضاء عندهم من القضاء بحقوق الله سبحانه وتعالى، بخلاف حقوق الآدميين، كما أن الحاكم بلا شبهة، وعلى هذا فإن الاستيفاء من تتمة القضاء، أو هو هنا إذا لم يحتج إلى التلفظ بلفظ القضاء حتى جاز له الاستبقاء من غير تلفظ به، بخلافه في حقوق العباد، فإنه فيها لإعلام من له الحق بحقية حقه، وتمكينه من استيفائه، وإذا كان كذلك كان قيام الشهادة شرطًا حال الاستيفاء، كما هو شرط حال القضاء بقح العباد إجماعًا، وبالتقادم لم تبق الشهادة، فلا يصح هذا القضاء الذي هو الاستيفاء، فانتفيى الاستيفاء١.

أما الإمام مالك، والشافعي وابن حنبل، وزفر من فقهاء الأحناف، ومن وافقهم وهم الجمهور، فإنهم قد نفوا وجود أي أثر لتقادم الحكم يمنع تنفيذه متى أمكن التنفيذ على الجاني، ما دام لم يطرأ رجوع من الشهود عن شهادتهم التي أدين الجاني على أساس قيامها صحيحة متكاملة الأركان، والشروط عند نظر القضية أمام القاضي، فإذا حكم القاضي بالعقوبة الحدية، ولم يرجع الشهود عن شهادتهم لزمت الجاني العقوبة الحدية، متى أمكن تنفيذها عليه، ولا علاقة عندهم بين الاستيفاء


١ فتح القدير ج٥ ص٢٨١ ط الحلبي، البحر الرائق ج٥ ص٢٢ ط بيروت.
حاشية ابن عابد ج٣ ص٢١٨ ط الأميرية، التشريع الجنائي عبد القادر عوده ص٧٣٨-٧٨٠ ط دار التراث.

<<  <   >  >>