للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما إذا وقعت الحرابة من مستأمن، أو معاهد أو عليهما، فإن جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية، والحنابلة والظاهرية، وأبو يوسف من فقهاء الأحناف، يرون عدم التفريق بين أحد من هؤلاء، وبين المسلمين أو الذميين، وعليه فإن عقوبة الحرابة يلزم بها كل من قام بهذه الجريمة، ممن يقيمون بالبلاد الإسلامية، إقامة دائمة، أو مؤقتة ما دامت الجريمة قد وقعت في حدود سلطان الدولة الإسلامية، سواء وقعت هذه الجريمة من مسلم، أو زمي أو معاهد، أو مستأمن أو على أي منهما، أيا كان القائم بها مسلمًا كان، أو ذميًا أو معاهد، أو مستأمنا١، وذهب الشافعي إلى أن المعاهد إذا فعل ما فيه إضرار بالمسلمين، كأن يفتن مسلمًا عن دينه، أو يقطع عليه الطريق، فإن لم يشترط الكف عن ذلك في العقد لم ينتقض عهده لبقاء ما يتقضى العقد من التزام أحكام المسلمين، ولزمته عقوبة أفعاله؛ لأن عقوبة هذه الأفعال تستوفي عليه من غير شرط.

وجاء عن فقهاء الشافعية رأي آخر، يقتضي أن عقد المعاهد ينتهي بإتيان المعاهد فعلًا من هذه الأفعال، واستدل لذلك بما روي من أن نصرانيا استكره امرأة مسلمة على الزنا، فرفع إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقال: ما على هذا صالحناكم، وضرب عنقه٢، هذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، إذا وقعت الحرابة من مسلم، أو ذمي أو معاهد، أو مستأمن أو على أي منهم أخذ بعموم الأدلة؛ ولأن المسلم إذا كان ملتزمًا بأحكام الإسلام بمقتضى إسلامه، فإن الذمي ملتزم أيضًا بأحكام الإسلام بمقتضي عقد الذمة، الذي يضمن له الأمان الدائم، والمعاهد والمستأمن


١ جرجع في ذلك الخرشي ج٨ ص١٠٤، حاشية الدسوقي ج٤ ص٣٤٨، مواهب الجليل ج٣ ص١٦٥، ٣٥٥ مغني المحتاج ج٤ ص١٨٠، المهذب ج٢ ص٢٥٦، المغني مع الشرح الكبير ج٩ ص٣٨٣ المحلى ج١٣ ص٣٣٢، نيل الأوطار ج٧ ص١٧١.
٢ المهذب ج٢ ص٢٥٧.

<<  <   >  >>