للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلاهما ملتزم بمقتضى عقد الأمان، والعهد الذي خوله الإقامة في دار الإسلام، فصار حكمه حكم الذمي.

وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن المعاهد، أو المستأمن لا تلزم العقوبة من قطع عليه الطريق، كما لا تلزم العقوبة المعاهد، أو المستأمن إذا قام أحدهما بقطع الطريق على مسلم، أو ذمي.

أما عدم إلزامه عقوبة قطع الطريق، فوجهه عند أبي حنيفة ومحمد، أن المستأمن لما لم يدخل للقرار بل لحاجه يقضيها، ويرجع وعلينا أن نمكنه من الرجوع بشرطه، لم يكن بالاستئمان ملزمًا جميع أحكامنا في المعاملات، بل ما يرجع منها إلى تحصيل مقصده، وهو حقوق العباد، غير أنه لا بد من اعتباره ملتزمًا الأنصاف وكف الأذى قد التزمنا له بأمانة مثل ذلك، والقصاص وحد القذف من حقوقهم فلزماه، أما حد الزنا فخاص له، وكذلك المغلب في السرقة حقه تعالى، فلم يلتزم، وصاحبه تعالى منعنا من استيفائه عند إعطاء أمانة١، وأما عدم إلزام المسلم، أو الذمي عقوبة قطع الطريق، إذا قام أحدهما بقطعها على المستأمن أو المعاهد، فقد بينه السرخسي بقوله: "وإذا قطعوا الطريق على قوم من أهل الحرب مستأمنين في دار الإسلام لم يلزمهم الحد لما بينا أن السبب المبيح في مال المستأمن قائم، وهو كون مالكه حربيًا، وإن تأخر ذلك إلى رجوعه إلى دار الحرب، ولكنهم يضمنون المال ودية القتلى، إبقاء الشبهة في دم المستأمن بكونه متمكنًا من الرجوع إلى دار الحرب، وهذا مسقطا للعقوبة، ولكنه غير مانع من وجوب الضمان، الذي يثبت مع الشبهة لقيام العصمة في الحال، ولكن يوجبون عقوبة لتخويفهم الناس بقطع الطريق، كما إذا لم يصيبوا مالًا ولا نفساء "ومثل ذلك إذا وقعت الحرابة من مسلم، أو ذمي على قافلة فيها


١ فتح القدير ج٥ ص٢٦٩، ٢٧٠ بدائع الصنائع ج٧ ص١٣٤.

<<  <   >  >>