للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسلمون ومستأمنون، ووقع القتل، وأخذ المال على المستأمنين فقط، أما إذا وقع القتل، وأخذ المال أو أحدهما على ما بالقافلة من المسلمين والمستأمنين، أقيم الحد على قطع الطريق كما لو لم يكن أهل الحرب من المستأمنين في القافلة١.

وما ذهب إليه جمهور الفقهاء أولى بالاتباع؛ لأن التفرقة بين المقيمين في البلاد الإسلامية إقامة دائمة، وبين غيرهم من المعاهدين، أو المستأمنين من حيث إيجاب الحد لهم، أو عليهم تفرقة لا تقوم على أساس قوي، بل قد تجر كثيرًا من الفوضى، وإهدار حقوق المسلمين أنفسهم، وكم عادت البلاد الإسلامية مما كان للأجانب من امتيازات ترتب عليها إطلاق أيديهم لتعبث وتطبش٢.

كما أن القول بأن المعاهد، والمستأمن حربيان، وإن تأخر رجوعهما إلى دار الحرب، وهذا ينتج شبهة في مالهما يترتب عليها إسقاط الحد عمن أخذه، قول لا يقوى على مواجهة عموم الآيات الكريمة، وحتى لو سلمنا بأن ذلك ينتج شبهة لا أنها شبهة ضعيفة لا تقوى على درء الحد؛ لأن هؤلاء قد أمنهم الحاكم على نفوسهم، وأموالهم وأعطاهم عهدًا بذلك ألزمهم بمقتضاه بالمحافظة على نفوس المقيمن إقامة دائمة بالبلاد الإسلامية، وعلى أموالهم، وما كانت الدولة الإسلامية بعد أن عاهدت بغادرة، أو متهاونة في حق من الحقوق بها أو عليها.

وما ذكر من أن ما وجب حقا للعبد ألزموا به أما ما وجب حقا لله، فإنه لا يجب إلزامهم به قول مردود؛ لأنه غير مبني على دليل، بل إن الدليل على إلزامهم الحد لواجب حقا لله تعالى، قد أورده الجمهور حين استدلوا بما كان من أبي عبيدة بن الجراح، مع النصراني الذي استكره


١ المبسوط ج٩ ص٢٠٥، بدائع الصنائع ج٧ ص١٣٤.
٢ التشريع الجنائي الإسلامي ج١ ص٢٨٥.

<<  <   >  >>