للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تنفيذ الحد وقع المقذوف في الزنا، فإن الحد والحالة هذه لا يلزم القاذف؛ لأن إحصان المقذوف قد انتقض، وبانتقاصه انثلمت عفته، وسلامتها شرط حتى يقام الحد ذكر ذلك السرخسي بقوله: "وإذا زنى المقذوف قبل أن يقام الحد إلى القاذف، أو وطئ حرامًا غير مملوك، فقد سقط الحد عن القاذف: لأن لحصان المقذوف شرط، فلا بد من وجوده عند إقامة الحد، وقد زال إحصانه بهذا الوطء، وكذلك إذا ارتد المقذوف، وإن أسلم بعد ذلك، فلا حد على القاذف؛ لأنه قد سقط الحد لزوال إحصانه بالردة، ولا حد على القاذف إذا صار المقذوف معتوهًا ناقص العقل، أو أصيب بالخرس وبقي كذلك؛ لأن إصابة المقذوف بذلك، وإن كانت لا تذهب إحصانه إلا أنها تقوم بها شبهة إمكان تصديق القاذف، لو كان المقذوف صحيحًا.

وبهذا لو زالت العلة، وطاب المقذوف بالحد، فله ذلك١، وذكر فقهاء المالكية أن عفة المقذوف قبل القذف، وبعده شرط لإقامة الحد على قاذفه، فقد جاء عنهم: أن عفاف المقذوف الموجب لحد قاذفه واضح في أنه السلامة من فعل الزنا قبل القذف وبعده، ومن ثبوت حده لاستلزمه إياه"٢.

وجاء عن فقهاء الشافعية: "وإن قذف محصنًا، ثم زنى المقذوف أو وطئ وطأ زال به الإحصان سقط الحد عن القاذف، وقال المزني، وأبو ثور: لا يسقط؛ لأنه معنى طرأ بعد وجوب الحد، فلا يسقط ما وجب من الحدة كردة المقذوف، وثبوته الزاني وحريته، وهذا خطأ؛ لأن ما ظهر من الزنا يوقع شبهة في حال المقذوف، ولهذا روي أن رجلًا زنى بامرأة في زمان أمير المؤمنين عمر -رضي الله تعالى عنه، فقال: والله ما زنيت


١ المبسوط ج٩ ص١٢٧.
٢ حاشية الدسوقي ج٤ ص٣٢٦، الخرشي ج٨ ص٨٧.

<<  <   >  >>