للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا هذه المرة، فقال عمر: كذبت إن الله لا يفضح عبده في أول مرة، والحد يسقط بالشبهة"١، أما ابن حزم، فإنه يرى وجوب حد القذف على القاذف، إذا كانت الواقعة التي قذف غيره بها، لم تثبت على المقذوف بصرف النظر عما كان قبلها، أو بعدها من وقائع، وإن ثبتت هذه الوقائع السابقة، أو اللاحقة على المقذوف وحد فيها، وقد بين هذا بقوله: "فإن قذف إنسان إنسانًا قد زنى بزنى غير الذي ثبت عليه، وبين ذلك وصرح، فعلى القاذف الحد -سواء حد المقذوف في الزني، الذي صح عليه أو لم يجد؛ لأنه محصن عن كل زنى لم يثبت عليه، وقد قلنا: إن الإحصان هو المنع، "فمن منع بشيء، أو امتنع منه، فهو محصن عنه، فإذا هو محصن، فعليه الحد بنص القرآن"٢.

ويرى الإمام أحمد، والثوري وأبو ثور، والمزني وداود، أن الحد إذا وجب بشروطه، فإنه لا يسقط بزوال شرط من هذه الشروط، أو بزوال كل هذه الشروط طالما أن الحد قد وجب؛ لأن هذه الشروط قد وضعها المشرع للوجوب، فمتي وجب الحد بوجوب شروطه، فلا ينقضه انتفاء بعض هذه الشروط، أو انتفائها كلها، وقد بين ذلك ابن قدامة بقوله: "ولنا أن الحد قد وجب، وتم بشروطه فلا يسقط بزوال شرط الوجوب، كما لو زنى بأمه ثم اشتراها، أو سرق عينا فنقصت قيمتها، أو مكها، وكما لو جن المقذوف بعد المطالبة، ورد ابن قدامة على من اشترطوا استدامة الشروط حتى يتم تنفيذ الحد بقوله: "وقولهم: أن الشروط تعتبر استدامتها لا يصح، فإن الشروط للوجوب، فيعتبر وجوبها إلى حين الوجوب، وقد وجب الحد بدليل أنه ملك المطالبة، ويبطل بالأصول التي قسنا عليها، وأما إذا جن من وجب له الحد، فلا يسقط الحد، وإنما يتأخر


١ المهذب ج٢ ص٢٧٣.
٢ المحلى ج١٣ ص١٧٧.

<<  <   >  >>