للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل إن هناك أفعالًا حرمها المشرع أجهد القضاءة أنفسهم لإيجاد مخرج للجاني ففلت من العقاب، وضيعت القيم والأخلاقيات على مرأى من القانون١.

د- زعم البعض أن الشريعة الإسلامية لم تراع فيما وضعتها من نظام عقابي نفسية الجاني وظروفه، ولم تهدف إصلاحه، وهؤلاء لم يلمسوا ما وضعتها الشريعة الإسلامية في نظامها العقابي من اهتمام بالجاني، وصل إلى حد تلمسها التخفيف عنه، ودرئها العقوبة الحدية عنه، هذا الأمر الذي وضح من خلال هذا البحث، ولا يخفى أن الشريعة لم تجند عيونها تتلمس الذلل للخلائق، وتتصيد لهم الأخطاء، وتنصب لهم الشراك، ثم تعاقبهم متشفية كما هو حال كثير من النظم الوضعية.

إن رسول هذه الشريعة الرحيمة قد أعرض مرات عمن جاءه يعترف بما ارتكبه، فلما أصر الرجل، وكرر اعترافه قال له الرسول الرءوف الرحيم -صلى الله عليه وسلم: "ليس عليك من وزر"، ولم يسأله مستفسرًا عن فعلته التي فعلها مع أن المقر قد ذكر أنه ارتكب حدًا من الحدود"٢.

كما قال -صلى الله عليه وسلم- معلمًا أصحابه، ومن أرسل إليهم: "من ستر مسلمًا في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة".


١ حكم أحد القضاة ببراءة شخصين غريبين عن بعضهما أخذا، وهما يأتيان فعلًا فاضحًا من الأفعال، التي يعاقب عليها القانون، وكانا في سيارة خاصة تقف في عرض الطريق، مسببًا هذا القاضي حكمه بالبراءة على أساس أن ما أتياه من فعل أصبح من الأفعال المألوفة، التي يراها الناس من خلال أجهزة الإعلام، وعليه فلم تعد في رأيه هو فعلًا فاضحًا على قارعة الطريق.
٢ نيل الأوطار ج٧ ص١١٣ وما بعدها.

<<  <   >  >>