للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلة الرأي الأول:

استدل القائلون بأن موجب القتل العمد القصاص عينا "وهم الحنيفية والمالكية، وأحد قولي الشافعي١، والإمامية، وهو قول إبراهيم النخعي وابن شبرمة، وأبي الزناد، وسفيان الثوري، والحسن بن حي" بالكتاب الكريم والسنة الشريفة والقياس:

أما الكتاب: فإن الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} نصت على أن الواجب بالقتل القصاص، ولم تذكر الدية، وإذا تعين هذا موجبا للقتل العمد لا يمكن العدول عنه إلى غيره؛ لئلا تلزم الزيادة على النص بالرأي.

وأما قوله تعالى في هذه الآية: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} فقد فسروه بما يأتي:

قال أبو حنيفة: إن معنى "عفي" بذل، والعفو في اللغة البذل؛ ولهذا قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ} أي: ما سهل٢، فكأنه قال: من بذل له من القاتل شيء من الدية فليقبل ما بذل له، وليتبع بالمعروف، وليؤد إليه القاتل بإحسان، والأمر هنا للندب لا للوجوب، فندب الله تعالى لولي الدم أن يأخذ المال إذا سهل ذلك من جهة القاتل، وأخبر أنه تخفيف منه ورحمة، كما قال ذلك عقب ذكر القصاص في سورة المائدة: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} ٣ فندب جل شأنه فيها إلى رحمة العفو والصدقة، وكذلك ندب فيما ذكر في هذه الآية إلى قبول الدية


١ مغني المحتاج ج٤، ص٤٨.
٢ جاء في مختار الصحاح: {خُذِ الْعَفْوَ} أي: خذ الميسور من أخلاق الرجال ولا تستقصي عليهم، قال: ويقال: أعطاه عفو ماله يعني: أعطاه بغير مسألة.
٣ الآية رقم ٤٥ من سورة المائدة.

<<  <   >  >>