وبه نستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد أسعد الله البشرية بما ميزها به من العقل والتفكير، وكرمها أيما تكريم بإرسال الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- هداة ومصلحين ومرشدين الناس إلى ما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، وما فيه نجاتهم من الشرور في أولاهم وأخراهم، فهم رحمة الله المهداة، ونوره المبين، ورعايته التامة للخلق.
ولقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تتابع رسالاتهم عبر القرون تتابعًا يتفق ونمو المجتمع الإنساني العقلي والاجتماعي، واتساع مداركه وأفكاره، وتشابك مصالحه وأغراضه، وتطور حضارته ومتطلباته.
فكان لكل زمن تشريعه المناسب، ولما بلغ المجتمع الإنساني أشده، ووصل إلى درجة من النضج الفكري والحضاري تؤهله لتلقي التشريع تامًّا كاملًا أرسل الله -جل شأنه- محمدًا -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام- خاتم النبيين بالتشريع التام الكامل الذي حوى تنظيمًا شاملًا لكل العلاقات: علاقة الفرد بربه، وعلاقة الفرد بالفرد، وعلاقة الفرد بالجماعة، وعلاقة الجماعة بالجماعة،