على ضوء ما أوردناه آنفا في المبحث الأول يمكننا أن نستخلص الحقائق الآتية:
أولا: أننا نقصد بالجناية هنا الجناية على إنسان حي معصوم الدم بإزهاق روحه أو المساس بجسمه أو صحته، كما سبق أن قررنا هذا في أركان الجريمة عمدا وشبه عمد.
ثانيا: أن ما يميز الجريمة خطأ عن الجريمة عمدا أو شبه عمد هو عدم وجود قصد جنائي؛ لأن الجاني هنا لم يقصد بفعله قتل المجني عليه أو إيقاع الضرر به، وإنما حدث ذلك نتيجة خطأ في الفعل أو في القصد أو فيهما.. قد يكون نتيجة إهمال أو تقصير أو عدم حيطة وقلة حذر.
ثالثا: الفعل الذي أدى إلى وقوع الجناية:
إذا نظرنا إلى ما أورده الفقهاء آنفا من صور الخطأ نجد أن هذه الجناية قد تكون نتيجة عمل إرادي، أراده الفاعل وإن لم يرد نتيجته، أو عمل غير إرادي، صدر عن الإنسان أثناء فقد وعيه وإدراكه وإرادته فقدانا طبيعيا، فأدى هذا إلى قتل أو جرح أو إتلاف، والجناية التي تتم بفعل إرادي إما أن تتم بالمباشرة، بأن لم يتخلل بين الفعل الذي أدى إلى الإتلاف والإتلاف واسطة، أو بغير المباشرة، بأن تكون هناك واسطة بين الفعل والنتيجة. ونوضح ذلك فيما يلي:
أ- جناية تتم بعمل مباشر إرادي:
إن كانت الجناية بفعل إرادي مباشر، سواء كانت نتيجة خطأ في الفعل أو في القصد أو فيهما، فإنه لا يشترط عند جمهور الفقهاء أن يكون العمل في ذاته والنتيجة التي يريدها مشروعين، فلو رمى إنسانا معصوم الدم قاصدا قتله أو الاعتداء عليه، فأخطأ فأصاب إنسانا آخر بهذه الصفة كانت جنايته خطأ؛ لعدم قصد قتل هذا الشخص بالذات، وقد خالف في هذا الحكم المالكية وبعض الحنابلة؛ حيث يرون هذه الجريمة جريمة عمدية لوجود القصد الجنائي نحو آدمي حي معصوم الدم، ولا يهم بعد هذا كونه زيدا أو عمرا من الناس، فوجود القصد الجنائي في ذاته نحو معصوم أيا كان هذا المعصوم