للقتل شبه العمد في الفقه الإسلامي عقوبتان: إحداهما أخروية، والثانية دنيوية، ونوضح كلا منهما فيما يأتي، كما نوضح عقوبته في القانون، ثم نقارن بين العقوبتين.
المطلب الأول: الجزاء الأخروي:
إن الجزاء الأخروي جزاء عادل، يتناسب دائما مع نية الجاني وقصده؛ لأن العمد الصادر من الإنسان قد تصحبه نية -خيرة كانت أم شريرة- وقد لا تصاحبه هذه النية كالعمل الصادر من مخطئ أو نائم، ففي الحالة الثانية لا يكون الإنسان أمام الله -جل وعلا- مسئولا عما صار منه إلا بقدر تفريطه أو عدم احترازه في توقي ما يصدر عنه.
أما الحالة الأولى: وهي حالة مصاحبة النية للعمل، فقد قرر الحديث الشريف قاعدة الثواب والعقاب، فقد روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ... " متفق عليه.
فالعمل عند الله مقوم بالنية، وجزاؤه مقدر بها إن خيرا وإن شرا١، فإن كان القاتل قاصدا القتل بآلة لا تقتل إلا نادرًا، وهو القتل شبه العمد، كانت عقوبته الأخروية هي عقوبة القتل العمد، وقد أوضحتها آية:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ... } كما سبق إيضاحه، وإن لم يكن قاصدا القتل، حتى وإن استعمل آلة قاتلة قطعا وغالبا، فإنه لا يعاقب بعقوبة القتل العمد في الآخرة، وإنما يعاقب بقدر همه إلى الإيذاء، واندفاعه إلى الاعتداء، وإيقاعه ما قصد إيقاعه بنفسه أو بالمجني عليه؛ ولذلك فإننا نقول: إن القتل شبه العمد يوجب عقوبة أخروية بقدر ما صاحب الفعل الجنائي من نية، وتقدير هذا الجزاء موكول إلى المطلع على النوايا والمقاصد، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، الذي يضع الموازين القسط ليوم القيامة، جل شأنه وعلا.
ولقد صرح فقهاء الحنفية بأن القتل شبه العمد يأثم صاحبه؛ لأنه قد ارتكب أمرا محرما في دينه قاصدا له.
١ وفي حديث أبي بكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟!!! قال: "لأنه أراد قتل صاحبه".