نتناول في هذا الفصل النوع الثاني من الجريمة، وهو "شبه العمد"، ونجعل هذا الفصل في ثلاثة مباحث، نوضح في الأول آراء الفقهاء في إثبات هذا النوع من الجريمة، وفي الثاني أركانها عند القائلين بها، وفي الثالث عقوبتها مع مقارنة ذلك بالقانون.
[المبحث الأول: آراء الفقهاء في القول بشبه العمد]
اختلف الفقهاء في إثبات وصف ثالث لجريمة القتل بجانب وصفها بالعمد والخطأ، وهو الجريمة التي يختلط فيها العمد والخطأ، فلا هي عمد محض، ولا هي خطأ محض، وإنما هي مزيج من العمد والخطأ، كأن يقصد الضرب بآلة لا قتتل عادة -مثل الحجر الصغير والعصا الصغيرة- فإن الضرب مقصود، والقتل غير مقصود؛ لأن مثل هذه الآلة لا تستعمل في القتل ولا تؤدي إليه عادة، ومن هنا وجد الخطأ؛ أي: عدم قصد القتل، فسماها بعض الفقهاء "شبه العمد أو عمد الخطأ أو خطأ العمد" للدلالة على اختلاط الأمرين فيها، ولم يقل بها آخرون، ونبين كلا الرأيين فيما يلي:
الرأي الأول: يرى المالكية والزيدية والظاهرية وهو رأي الليث بن سعد والهادي والناصر والمؤيد بالله وأبي طالب: أن الجريمة إما عمد أو خطأ، ولا ثالث لهما، وقد استدلوا على ذلك بأن كتاب الله تعالى لم يرد فيه إلا الخطأ والعمد، قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ