وعلاقة كل هؤلاء بالدولة، وعلاقة الدولة بهم، وعلاقة الدول بعضها ببعض في تشريع تام كامل {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ١، يعلم ما يصلح حالنا فيأمرنا به، وما يفسد حياتنا فيحرمه علينا.
ولقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يضع لنا تنظيمًا دقيقًا للعبادات، وأن يرسيَ لنا القواعد الكلية في المعاملات مبينة الحلال والحرام، وأن يترك لفقهاء الأمة الإسلامية المجتهدين النظر في كثير من الأمور الجزئية، ومن هنا كانت مرونة هذا التشريع وصلاحيته لكل زمان ومكان، وكان اختلاف الفقهاء في بعض المسائل، الكل رائده الوصول إلى الحق، والوصول إلى الحكم الشرعي، باذلًا في سبيل ذلك أقصى جُهْده وطاقته العلمية والفكرية، وما يهيئ لهما العمل السليم للوصول إلى حكم الله جل شأنه.
وحسبنا اليوم في دراستنا لفقه الكتاب والسُّنة أن نبين بدقة وجهة كل منهم في استنباطه الحكم الشرعي، ثم نقارن بين هذه الآراء، وأخيرًا نرجح ما نراه راجحًا، عمادنا في ذلك ما وضعه لنا سلفنا الصالح من معايير وقواعد للترجيح.
وقد وقع اختيارنا على أحد الموضوعات الهامة في الفقه الإسلامي؛ وهو:"أنواع الجنايات وحكم كل جناية"؛ لأن هذا الموضوع يمثل قسمًا هامًّا من الدراسات الفقهية والقانونية لم يظفر بمثل ما ظفر به غيره من الموضوعات من البحث في العصر الحديث، ويحتاج إلى مثابرة للدراسة ومتابعتها حتى ينكشف لفقهائنا المحدثين ما يحتوي عليه الفقه الإسلامي من رعاية لمصالح الأمة أفرادًا وجماعات، ودرء للمفاسد عنها صغيرها وكبيرها؛ وبذلك يتحقق -بمشيئة الله تعالى- ما يُرجى لهذه الدراسة من أهداف.