واضح من أمثلة "القتل بسبب خطأ" أن الفاعل أو الجاني يقوم بعمل غير مشروع، فيترتب على هذا العمل آثار غير مقصودة، فحفر بئر في ملك الغير بغير إذنه عمل غير مباح؛ لأن كل إنسان مسلط على ماله، وله وحده الحق في الانتفاع به دون غيره من الناس إلا بإذنه، وكذا لو وضع حجرا في الطريق، كان أيضا عمله غير مشروع؛ لأن حق العامة في سلامة الطريق يمنع أن يحدث فيه مثل هذا العمل، فإذا أحدث شيئا لا يحل له أن يحدثه كان مسئولا عن كل النتائج التي تترتب على فعله.
ولقد اشترط الفقهاء لضمان الفاعل في القتل بسبب أن يكون الفعل مما يمكن التحرز عنه، فإن كان مما لا يتحرز عنه يسقط الضمان، وقد صرح بهذا القيد فقهاء الحنفية عندما تعرضوا للجناية التي يرتكبها السائق الدابة أو الراكب لها، والتي يمكن أن تطبق على حوادث السيارات وغيرها من المواصلات الحديثة التي حلت محل الدواب؛ حيث نصوا على أن الراكب لدابة في الطريق ضامن لما أصابت خطأ بيدها أو رجلها أو رأسها، أو كدمت أو خبطت، وكذا إذا صدمت، ولا يضمن ما نفحت برجلها أو ذنبها، والأصل في ذلك أن المرور في طريق المسلمين مباح؛ ولكنه مقيد بشرط السلامة؛ لأنه يتصرف في حقه من وجه وفي حق غيره من وجه؛ لكونه مشتركا بين كل الناس.
أما أنه يتصرف في حقه، فلأن الإنسان لا بد له من طريق يمشي فيه لترتيب مهماته، فالحجر عن ذلك حرج، والحرج مدفوع، وأما أنه يتصرف في حق غيره، فلأن غيره فيه كهو في الاحتياج، فبالنظر إلى حقه يستدعي الإباحة مطلقا، وبالنظر إلى حق غيره يستدعي الحجر مطلقا، فقلنا بإباحة مقيدة بشرط السلامة عملا بالوجهين، ويعتدل النظر من الجانبين، ثم إنما يتقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه، ولا يتقيد بها فيما لا يمكن التحرز عنه؛ لما فيه من المنع عن التصرف وسد بابه، وهو مفتوح، والاحتراز عن الإبطاء وما يضاهيه ممكن، فإنه ليس من ضرورات التيسيير، فقيدناه بشرط السلامة عنه.
والنفحة بالرجل والذنب ليست مما يمكنه الاحتراز عنه مع السير على الدابة فلم يتقيد به.
فإن أوقفها في الطريق ضمن النفحة أيضا؛ لأنه يمكنه التحرز عن الإيقاف، وإن لم يمكنه عن النفحة، فصار متعديا في الإيقاف، وشغل الطريق به فمضمنه١، ولقد خصص الفقهاء باب الجناية البهيمة والجناية عليها، ووضعوا قاعدة للضمان وعدمه، وهي كون الفاعل متعديا في فعله، وكون الفعل مما لا يمكن التحرز عنه.