سُمًّا فقتله، فقد اتخذ من غفلة المجني عليه أو ثقته به والاطمئنان إليه وسيلة للانقضاض عليه والفتك به، أو قتل شخصا له خطورته على الأمة كالإمام؛ إذ بقتله يختل صرح النظام، ويرتج بنيان الأمن وقد يودي بالأمة، ويُمكِّن أعداءها منها، في كل ذلك تطبق على الجاني آية المحاربة فيقتل حدا لا قصاصا عند بعض الفقهاء؛ ومن ثم لا عفو ولا صلح ولا إبراء.
وفي المقام الثاني:
وضع المشرع الحكيم بعد ذلك الحدود، فقدر عقوبة كل جرم ووضع الشروط اللازمة لتطبيقها، فكانت هذه الصورة هي صورة الجرائم في صورتها العادية.
وفي المقام الثالث:
وضع المشرع عقوبة التعزير؛ لتحافظ على حقوق الله وحقوق العباد التي نال منها الجاني، والتي لم تصعد لإحدى العقوبتين السابقتين؛ لعدم توافر الشروط اللازمة لتطبيق الحد، وجعل أمرها للإمام أو من ينوب عنه.
وهذه العقوبة تناولها الفقهاء بالبحث، سواء من حيث مقدارها أو من حيث الجرم الذي تطبق فيه ونوعه، وهم وإن اختلفوا في شيء من ذلك فقد آثر المشرع ترك هذا الأمر لاجتهاد الإمام أو نائبه، وأعطاه هذه السلطة لكي تعالج مشكلة الجريمة في الجرائم غير الجسيمة التي تخضع لهذه العقوبة على ضوء حالة الجاني ونوعية الجناية.
ولكن قد يكون من المفيد وضع ضوابط عامة تتناول نهاية العقوبة التعزيرية، وأرى ألا تصل إلى القتل أو إلى الحد المقرر لهذا الجرم حتى لا تتداخل العقوبات، وبخاصة وأن هذه العقوبة تقديرية، وللاجتهاد فيها مجال، ولأن يخطئ القاضي في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة.