للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد كان لذكر القرآن الكريم لوصفين فقط من أوصاف الجناية وعدم ذكره الوصف الثالث وهو "شبه العمد" أثر في اختلاف الفقهاء في القول بهذا الوصف، وتبعا لذلك اختلفوا في بيان حقيقة القتل العمد والقتل شبه العمد، ونوضح آراءهم فيما يلي كما وردت في كتب المذاهب مع تحليل رأي كل مذهب.

القتل العمد عن الحنفية:

يرى الإمام أبوحنيفة أن القتل العمد هو: ما تعمد فيه شخص ضرب آخر بسلاح كالسيف، أو ما أجرى مجرى السلاح في تفريق الأجزاء -كالمحدد من الرصاص أو الذهب أو الفضة أو الزجاج، وأمثال ذلك، وكالنار لأنها تعمل عمل السلاح- ولا يشترط الجرح في ظاهر الرواية١.

وإنما اشترط الإمام ذلك في القتل العمد؛ لأن العمد هو قصد إزهاق الحياة، والقصد فعل القلب، وهو أمر لا يتوقف عليه؛ لأنه أمر باطني أقيم استعمال الآلة القاتلة غالبا مقامه تيسيرا، كما أقيم السفر مقام المشقة، والبلوغ مقام اعتدال العقل تيسيرا، والآلة القاتلة غالبا هي المحددة؛ لأنها هي المعدة للقتل، فيكون القصد إلى إزهاق الحياة بالسلاح عامل في الظاهر والباطن جميعا، وذلك بخلاف ما ليس بمحدد؛ لأنه غير معد للقتل، حتى لو ضرب بحجر كبير أو خشبة كبيرة كانت الجناية شبه عمد ولا يجب القصاص عنده.

وقال الصاحبان "أبو يوسف ومحمد": العمد هو ما تعمد فيه شخص ضرب آخر بما يقتل غالبا، سواء كان بسلاح وما جرى مجرى السلاح، أم بغيرهما كحجر كبير أو خشبة كبيرة، وبهذا قال جمهور الفقهاء.


١ راجع: المبسوط للسرخسي ج٢٦، ص٥٩، وتكملة فتح القدير ج٨، ص٢٤٥، والزيلعي ج٦، ص٩٧.

<<  <   >  >>