للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الباب ملحقة بالحقيقة، وعلى هذا يخرج القتل بضربة أو ضربتين على قصد القتل أنه لا يوجب القود؛ لأن الضربة أو الضربتين مما لا يقصد به القتل عادة؛ بل التأديب والتهذيب، فتمكنت في القصد شبهة العدم، وعلى هذا يخرج قول أصحابنا -رضي الله عنهم- في الموالاة في الضربات أنها لا توجب القصاص خلافا للشافعي:

"وجه" قوله: أن الموالاة في الضربات دليل قصد القتل؛ لأنها لا يقصد بها التأديب والتهذيب عادة، وأصل القصد من موجود فيتمخض القتل عمدا فيوجب القصاص.

"ولنا" -أي للحنفية- أن شبهة عدم القصد ثابتة؛ لأنه يحتمل حصول القتل بالضربة والضربتين على سبيل الاستقلال من غير الحاجة إلى الضربات الأخر، والقتل بضربة أو ضربتين لا يكون عمدا، فتبين بذلك أنه لا يوجب القصاص، وإذا جاء الاحتمال جاءت الشبهة وزيادة"١.

ومن كلامه يضتح لنا أنه يشترط أن يكون القاتل قاصدا القتل، كما يشترط أن يكون القتل منه عمدا محضا ليس فيه شبهة العدم، ويفسر الشرط الأخير بألا تكون الآلة أو الفعل مما يحتمل أن يكون غير قاتل بطبيعته، فإن كان غير محتمل لشبهة العدم كان عمدا موجبا للقصاص.

ولا يفهم من كلامه "اشتراط قصد القتل" عند عامة فقهاء الحنفية، فقد سبق أن نقلنا عنهم ما ينفي بصورة قاطعة اشتراط ذلك، وجاء في الذخيرة إن "قصد أن يضرب يد رجل فأصاب عنقه، فهو عمد، وفيه القود، ولو أصاب عنق غيره فهو خطأ"٢. قال في المجتبى: "وبهذا يتبين أن قصد القتل ليس بشرط لكونه عمدا".


١ البدائع ج٧، ص٢٣٤.
٢ الزيلعي ج٦، ص١٠١.

<<  <   >  >>