للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الناسخ والمنسوخ: حدثنا حجاج بن محمد, أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء, عن عطاء, عن ابن عباس قال: أول ما نُسِخَ من القرآن فيما ذكر لنا -والله أعلم- شأن القبلة، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق، ثم صرفه الله إلى بيته العتيق ونسخها فقال:

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} ١.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: "كان أول ما نُسِخَ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة، وكان أهلها اليهود، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضعة عشر شهرًا, وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب قبلة إبراهيم, فكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} إلى قوله: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه} ٢ فأرتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ما ولَّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِب} ، وقال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} أ. هـ.٣.

وقيل: إن هذه الآية ليست منسوخة، بل هي خاصة بصلاة التطوّع, أو بمن عجز عن تحديد القبلة.

قال ابن جرير: "وقال آخرون: نزلت هذه الآية على النبي -صلى الله عليه وسلم- إذنًا من الله -عز وجل- له أن يصلي التطوع حيث توجَّه وجهه من شرق أو غرب، في مسيره في سفره وفي حال المسايفة، وفي شدة الخوف، والتقاء الزحوف في الفرائض، وأعلمه أنه حيث وجه وجهه فهو هنالك بقوله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} .


١ البقرة: ١٥٠.
٢ البقرة: ١٤٤.
٣ "تفسير القرآن العظيم" ج١ ص٢٢٧.

<<  <   >  >>