للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في قوم عميت عليهم القبلة فلم يعرفوا شطرها، فصلوا على أنحاء مختلفة, فقال الله -عز وجل- لهم: لي المشارق والمغارب، فإن وليتم وجوهكم فهنالك وجهي، وهو قبلتكم؛ معلمهم بذلك أن صلاتهم ماضية".

قال الإمام الطبري بعد أن ذكر هذه الأقوال وغيرها: فأما القول في هذه الآية ناسخة أم منسوخة، أم لا هي ناسخة ولا منسوخة؟ فالصواب فيه من القول أن يقال: إنها جاءت مجيء العموم، والمراد الخاص، وذلك أن قوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} محتمل أينما تولوا في حال سيركم في أسفاركم، في صلاتكم التطوع، وفي حال مسايفتكم عدوكم، في تطوعكم ومكتوبتكم, فثَمَّ وجه الله، كما قال ابن عمر والنخعي، ومن قال ذلك ممن ذكرنا عنه آنفًا.

ومحتمل: فأينما تولوا من أرض الله فتكونوا بها فثمَّ قبلة الله التي توجهون وجوهكم إليها؛ لأن الكعبة ممكن لكم التوجه إليها منها.

كما قال أبو كريب، قال: حدَّثنا وكيع بن أبي سنان عن الضحاك, والنضر ابن عربي عن مجاهد في قول الله -عز وجل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} قال: قبلة الله، فأينما كنت من شرق أو غرب فاستقبلها.

ومحتمل: فأينما تولوا وجوهكم في دعائكم فهنالك وجهي أستجيب لكم دعاءكم.

قال مجاهد: لما نزلت: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} ١.

قالوا إلى أين؟ فنزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} .

قال الطبري: فإذا كان قوله -عز وجل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} محتملًا ما ذكرنا من الأوجه، لم يكن لأحد أن يزعم أنها ناسخة أو منسوخة إلّا بحجَّة يجب التسليم لها؛ لأن الناسخ لا يكون إلا بمنسوخ، ولم تقم حجة يجب التسليم لها بأن قوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} معنيٌّ به: فأينما توجهوا وجوهكم في صلاتكم فثمَّ قبلتكم، ولا أنها نزلت بعد صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه نحو بيت المقدس أمرًا من الله -عز وجل- لهم بها أن


١ غافر: ٦٠.

<<  <   >  >>