الضعيف، ويا لله من سمو هذه الحكمة، وبراعة هذه السياسة التاريخية لأهل الدهر"١.
وأما الفرض الثاني: وهو أن صارفًا إلهيًّا زهَّدهم في المعارضة، فلو تتعلق بها إرادتهم، ولم تنبعث بها عزائمهم، فينقضه الواقع التاريخي، فإنه قد ثبت من غير طريق أن بواعث العرب إلى المعارضة قد وجدت سبيلها فعلًا إلى نفوسهم، ونالت منالها من عزائمهم.
"فالتاريخ -كما يقول الرافعي: لا يخلو من أسماء قوم قد زعموا أنهم عارضوا القرآن، فمنهم من ادَّعى النبوة, وجعل ما يلقيه من ذلك قرآنًا. كيلا تكون صنعته بلا أداة، كمسيلة بن حبيب الكذاب، وعبهلة بن كعب، الذي يقال له الأسود العنسي، وطلحة بن خويلد الأسدي، وسجاح بنت الحارث بن سويد التميمية.
أما مسيلة فقد زعم أن له قرآنًا نزل عليه من السماء, ويأتيه به ملك يُسَمَّى "رحمن"، بيد أن قرآنه إنما كان فصولًا وجملًا، بعضها مما يرسله، وبعضها مما يترسَّل به في أمر إن عرض له، وحادثة إن اتفقت، ورأي إذا سُئِلَ فيه، وكلها ضروب من الحماقة يعارض بها أوزان القرآن في تراكيبه، ويجنح في أكثرها إلى سجع الكهان؛ لأنه كان يحسب النبوة ضربًا من الكهانة، فيسجع كما يسجعون.