وكما أن الأمة وسط بين الأمم فكذلك أهلُ السُّنَّةِ وَسَطٌ بين الفرق، وقد بين المصنف هنا أنها وسط في عدة مسائل؛ منها ما يتعلق بصفات الله عز وجل، وما يتعلق بأفعال الله عز وجل (باب القدر)، ثم باب الوعد والوعيد وما يتعلق بحكم مرتكب الكبيرة ثم بعد ذلك جاء إلى باب الإيمان.
أولًا: في باب الصفات:
قال المصنف:«فهُمْ وسطٌ في باب صِفات الله -سبحانه وتعالى- بين أهل التَّعْطِيل الجَهْمية وأهلِ التَّمْثِيل المُشبِّهة».
فأهل التَّعْطِيل على قسمين:
القسم الأول: الفلاسفة:
فالفلاسفة سلكوا مسلكًا في التعطيل يقوم على أساس التخييل؛ فنفوا اتصاف الله بهذه الصفات جملة وتفصيلًا، وقال مَنْ قال من الفلاسفة: إن هذا مجرد وهم وتخييل، وأن هذا خطاب للعوام، وأما الخواص فهم في غنى عنها وهم في الأصل يقولون: إن النبوة اكتساب.
القسم الثاني: أهل الكلام، الذين لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات التي لا وجود لها إلا في أفهامهم الفاسدة.
فعقيدة هؤلاء المعطلة جمعت بين التمثيل والتعطيل، وهذا الشر إنَّما جاء من تنجس قلوبهم وتدنسها بأقذار التشبيه، فإذا سمعوا صفة من صفات الكمال التي أثنى الله بها على نفسه؛ كاستوائه على عرشه ومجيئه يوم القيامة وغير ذلك من صفات الجلال والكمال.
فإن أول ما يخطر في أذهانهم أن هذه الصفة تشبه صفات الخلق؛ فيتلطخ القلب بأقذار التشبيه؛ فلم يقدر الله حقَّ قدره، ولم