المُثلى فلم يتلوثوا بشيء من أوضار هذه الفرق وأدناسها، وأثبتوا لله حقائق الأسماء والصفات، ونفوا عنه مماثلة المخلوقات؛ فكان مذهبهم مذهبًا بين مذهبين، وهدى بين ضلالتين، خرج من بين مذاهب المعطلين والمخيلين والمجهلين والمشبهين، كما خرج اللبن من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشَّاربين، وقالوا: نصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل، بل طريقتنا إثبات حقائق الأسماء والصفات ونفي مشابهة المخلوقات؛ فلا نُعطل ولا نؤول، ولا نُمَثِّل ولا نجهل، ولا نقول: ليس لله يدان ولا وجه ولا سمع ولا بصر ولا حياة ولا قدرة ولا استوى على عرشه، ولا نقول: له يدان كأيدي المخلوق ووجه كوجوههم وسمع وبصر وحياة وقدرة واستوى كأسماعهم وأبصارهم وقدرتهم واستوائهم، بل نقول: له ذات حقيقة ليست كالذوات، وله صفات حقيقة لا مجازًا ليست كصفات المخلوقين» (١).
فأهلُ السُّنَّة والجَمَاعَة قد جعلوا هذا الباب قائمًا على أُسُس ثلاثة:
الأول: إثبات بلا تَمْثيل.
الثاني: تَنْزِيه بلا تَعْطيل.
الثالث: قَطْعُ الطَّمَع عن إدراك كيفية اتصاف الله عز وجل بها؛ لأنَّ اللهَ أخبَرنا عن صفاته ولم يُخبِرنا عن كيفية صِفاته.
فيُؤمن أهلُ السُّنَّة والجَمَاعَة بما وصَف اللهُ به نفسَه، وما وصَفهُ به رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيل.
(١) «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة»، لابن القيم (٢/ ٤٢٥، ٤٢٦)، دار العاصمة- الرياض، الطبعة الثالثة، ١٤١٨ هـ- ١٩٩٨ م.