قال المصنف:«وهم وسَطٌ في باب أفعال الله بين الجَبْريَّة والقدَرية وغيرهم».
قد ضَلَّ في هذا الباب (باب أفعال الله) الجبريةُ والقدريةُ، وما زال إلى يوم الناس هذا مَنْ يَخبط فيه بين قائل بأن العبد مجبر على أفعاله، وبين قائل بأن العبد لا فِعل له ولا اختيار، وإنما هو كالريشة في مَهَبِّ الرِّيح، وأهل السنة والجماعة وسطٌ بين هذا وذاك.
وقد أوضَح شيخُ الإسلامِ -رحمه الله- هذا في «مَجموع الفَتاوى» فقال: «وهم في باب خَلقِ الله وأمرِه وسطٌ بين المُكذِّبين بقُدرة الله الذين لا يُؤمنون بقُدرتِه الكاملة ومَشِيئته الشاملة وخَلقِه لكل شيء، وبين المُفسدين لدِين الله الذين يَجعلون العبدَ ليس له مَشِيئةٌ ولا قُدرة ولا عمل، فيُعطِّلون الأمر والنهي والثوابَ والعقاب، فيَصِيرون بمَنزِلة المُشركين الذين قالوا:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ١٤٨].
فيُؤمن أهل السُّنَّة بأنَّ الله على كل شيء قدير، فيَقدر أن يهدي العبادَ ويُقلِّب قلوبهم، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في مُلكِه ما لا يُريد، ولا يَعجَز عن إنفاذ مُرادِه، وأنه خالِق كلِّ شيء من الأعيان والصِّفات والحَرَكات.
ويُؤمنون أن العبدَ له قُدرة ومشيئة وعملٌ، وأنه مُختار ولا يُسمُّونه مَجْبورًا؛ إذ المَجْبور مَنْ أُكْرِه على خلاف اختِياره، والله -سبحانه وتعالى- جعَل العبدَ مُختارًا لِمَا يفعله، فهو مختارٌ مُريد، والله خالِقُه وخالِقُ اختياره، وهذا ليس له نَظِيرٌ؛ فإن الله ليس كمثله شيءٌ، لا في ذاتِه ولا في صفاته ولا في أفعاله» (١).