وقال العلَّامة السِّعْدي -رحمه الله-: «وهم وسطٌ في باب أفعال الله بين الجبريَّة والقَدَرية؛ فإن الجبريةَ يَزعمون أن العبد مَجْبُور على أفعاله لا قُدْرة له عليها، وأن أفعاله بمَنزِلة حرَكات الأشجار، وكل هذا غُلوٌّ منهم في إثبات القدَر.
والقدريَّةُ قابَلوهم فنَفَوْا مُتعلق قدرة الله بأفعال العباد تنزيهًا لله- بزَعْمهم.
فأفعالُ العباد عندهم لا تَدخُل تحت مشيئة الله وإرادته، وكلٌّ مِنْ هاتين الطائِفتين ردَّتْ طائفةً كبيرة من نصوص الكتاب والسُّنة.
وهدَى الله أهلَ السُّنَّة والجَمَاعَة للتوسُّط بين الطائفتين المُنحرفتينِ، فآمَنوا بقضاء الله وقدَره وشُمولهما للأعيان والأوصاف والأفعال التي مِنْ جُملتِها أفعالُ المُكلَّفين وغيرهم، وآمَنوا بأنه ما شاء اللهُ كان وما لم يشأ لم يكُن، وآمنوا مع ذلك بأن الله تعالى جعَل للعِباد قُدرة وإرادة تقَعُ بها أقوالُهم وأفعالهم على حسب اختِيارهم وإرادتهم، فآمَنوا بكلِّ نصٍّ فيه تعميمُ قدرة ومشيئة، وبكلِّ نصٍّ فيه إثباتُ أنَّ العباد يعملون ويفعلون كلَّ الأفعال الكبيرة والصغيرة بإرادتهم وقُدْرَتِهم، وعَلِموا أن الأمرينِ لا يَتنافيانِ» (١).
ثالثًا: في باب الوعيد:
قال المصنف:«وفي بابِ وَعِيد الله بين المُرْجِئة والوَعِيديَّة من القَدريَّة وغيرِهم».
الوَعِيديَّةُ من المُعتَزِلة والقدرية والخَوارج قالوا: إن مَنْ تَوعَّده اللهُ على ذنبٍ فلا بد من إنفاذِ ذلك الوعيد، ولا يجوز إخلافُ ذلك على