للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأحكام؛ أي: في أسماء الدِّين، مثل: مُسلِمٍ ومُؤمِنٍ وكافِرٍ وفاسِقٍ، وفي أحكام هؤلاء في الدُّنيا والآخرة، فالمُعتَزِلة وافَقوا الخَوارِجَ على حُكْمِهم في الآخِرَة دون الدُّنيا؛ فلم يَستَحِلُّوا مِنْ دمائِهم وأموالهم ما استَحَلَّتْهُ الخوارجُ، وفي الأسماء أحدَثوا المَنزِلةَ بين المَنْزِلتينِ، وهذه خاصَّة المُعتَزِلة التي انفَردوا بها، وسائِرُ أقوالهم قد شارَكهم فيها غيرُهم» (١).

وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الإِيمَانَ وَالدِّينَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ.

فجاء اعتقاد أهل السنة والجماعة وسط بين هؤلاء وهؤلاء؛ فالإيمان عندهم قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ فتوسطوا بذلك بين المرجئة الذين أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان، والخوارج والمعتزلة الذين أنكروا زيادة الإيمان ونقصانه.

فهم وَسَطٌ بينَ الخوارجِ والمُعتزلةِ، وبينَ المُرجئةِ والجهميَّةِ.

«وأهلُ السُّنَّةِ نَقاوةُ المسلمين، فهم خير الناس للناس» (٢)، وأسعدُ النَّاسِ بالحقِّ وأرحمهم بالخلق؛ فإنَّهم لم يُكَفِّروا أهلَ القِبْلَةِ بارتكابِ الكبائرِ، وإنَّما قالوا: مرتكب الكبيرة مؤمنٌ ناقصُ الإيمانِ، فهوَ مؤمنٌ بإيمانِهِ وفاسقٌ بمعصيتِهِ؛ فلم يُعطوهُ الإيمانَ المطلقَ، ولم يسلبوهُ مطلقَ الإيمانِ، ولم يَحكموا على الفاسقِ بأنَّهُ مُخَلَّدٌ في النارِ يومَ القيامةِ، بل قالوا: إنَّ مُرتكبي الكبائرِ من أهلِ القِبْلَةِ في مشيئةِ اللهِ يومَ القيامةِ؛ إن شاءَ عَفَا عنهم وأدخلَهُم الجنَّةَ بلا عذابٍ، وإن شاءَ عذَّبَهُم على قَدْرِ ذنوبِهِم، ثمَّ أدخلهمُ الجنَّةَ؛ كما قالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨].


(١) «مَجموع الفَتاوى» (١٣/ ٣٨).
(٢) من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن أهل السنة، كما في «منهاج السنة» (٥/ ١٥٨).

<<  <   >  >>