ذكر المصنف رحمه الله في هذا الموضع ما يتعلق بصفة العلو، وما يتصل بهذه الصفة من جملةِ صفاتٍ.
وأعظم مسألتين في باب أسماء الله وصفاته: هما صفة العلو وصفة الكلام، ولذلك خصهما هنا شيخ الإسلام بالذِّكر؛ فتكلم- أولًا- عن صفة العلو وما يتعلق بها، ثم أعقب ذلك بالحديث عن صفة الكلام، وهذا لأهمية هاتين المسألتين في هذا الباب؛ لأن أهل الباطل من المعطلة أَصَّلوا قولهم في صفة العلو بناء على أن العلوم محصورة في المحسوس المشاهد، فكذَّبوا بكل غيب، ولذلك أنكروا عُلُوَّ الله سبحانه وتعالى؛ وهو أعظم غيب، وهم بذلك يُريدون الوصول إلى إنكار وجوده؛ لأن في إثبات علوه إثباتًا لوجوده جل وعلا، وإثبات وجوده إثبات لأعظم الغيب.
وكذلك أرادوا أن يتسلطوا على صفة الكلام؛ لأن في إثباتها إثبات للوحي، وهو مصدر العلم الشرعي، فهم يريدون أن يُفسدوا هذا الباب؛ ليقصروا مصدر العلم على نفوسهم، وبالتالي يريدون أن يُسووا بين قولهم وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باعتبار أن مصدر الاثنين واحد.
وبالتالي، فمسألة العلو من أعظم المسائل؛ لذلك نجد أن النصوص التي أثبتت هذه الصفة متواترة ومتنوعة ومتعددة، حتى إنَّ العلماء يذكرون أن في كتاب الله عز وجل أكثر من ثلاثمائة آية تتكلم عن علوِّ الله بأساليب متنوعة ومتعددة؛ فالله عز وجل تارة يُخبر بعلوه، وتارة يُخبر باستوائه، وتارة يُخبر بنزوله، وتارة يُخبر بصعود الأشياء إليه، وتارة يخبر بنزولها من عنده، وتارة يخبر بعروجها إليه، وهكذا.