للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما دلالة الفِطْرَةِ على عُلُوِّ الله بذاته:

فقد قال إمام الأئمة محمد بن خزيمة -رحمه الله-: «باب ذكر البيان أن الله -عز وجل- في السماء، كما أخبرنا في مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ وعلى لسان نبيه عليه السلام، وكما هو مفهوم في فطرة المسلمين علمائهم وجُهَّالِهِمْ وأَحْرَارِهِمْ وَمَمَالِيكِهِمْ ذُكْرَانِهِمْ وَإِنَاثِهِم بَالِغِيهِم وأَطْفَالِهِم، كل مَنْ دعا الله جل وعلا فإنه يرفع رأسَه إلى السماء ويمد يدَيْه إلى الله إلى أعلاهُ، لا إلى أسفل» (١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأمَّا كونه عاليًا على مخلوقاته بائنًا منهم، فهذا أمرٌ معلومٌ بالفطرةِ الضروريةِ التي يشترك فيها جميع بني آدم.

وكُلُّ مَنْ كان بالله أعرفَ وله أَعْبَدَ ودُعَاؤُهُ له أكثرَ وقَلْبُهُ له أَذْكَرَ كان علمُه الضروريُّ بذلك أقوى وأكملَ، فالفطرة مُكَمَّلَةٌ بالفطرة المنزَّلة؛ فإن الفطرةَ تعلم الأمر مُجْمَلًا والشريعة تُفَصِّلُهُ وتُبَيِّنُهُ وتَشْهَدُ بما لا تَسْتَقِلُّ الفطرة به، فهذا هذا، والله أعلم» (٢).

فالله تعالى فطر القلوب على إثبات علوه عز جل، ولذلك لما تكلم أبو المعالي الجويني في إنكار صفة العلو؛ وقال على المنبر: كان اللهُ ولا عَرْشَ، فقال له أبوجعفر الهمداني: يا أستاذ دَعْنَا مِنْ ذكر العرش- يعني لأن ذلك إنما جاء في السَّمْعِ- أَخْبِرْنَا عن هذه الضرورة التي نَجِدُهَا في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قَطُّ (يا الله) إلا وَجَدَ مِنْ قَلْبِهِ ضَرُورَةً تَطْلُبُ العُلُوَّ، لا تلتفت يَمْنَةً ولا يَسْرَةً، فكيف ندفع هذه الضرورة عن قلوبنا؟ قال: فلطم أبو المعالي على رأسه، وقال: حَيَّرَنِي الهمذانيُّ، حَيَّرَنِي الهمدانيُّ، ونزل (٣).


(١) «التوحيد» (١/ ٢٥٤).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٤/ ٤٥).
(٣) انظر: «مجموع الفتاوى» (٤/ ٤٤).

<<  <   >  >>