للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالله سبحانه وتعالى فطر هذه القلوب على إثبات علوه عز وجل فأنت في كل أحوالك إذا سألت الله اتَّجهت إلى جهة واحدة، وهي جهة العلو، فلا تلتفت يمنة ولا يسرة؛ لأن الله سبحانه وتعالى فطر القلوب على معرفته، ومن ذلك جواب الجارية على النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سألها الجارية: «أين الله؟». فقالت: «في السَّماء». فقال -صلى الله عليه وسلم-: «أَعْتِقها؛ فإنَّها مؤمنة» (١).

وأَمَّا دَلَالَةُ العَقْلِ على إثبات العُلُوِّ لله، فقد قال العَلَّامة ابن عثيمين -رحمه الله-، فقال: «وأما العقلُ فقد دَلَّ على وجوب صفة الكمالِ لله تعالى، وتنزيهِه عن النقصِ، والعُلُوُّ صفةُ كمالٍ، والسُّفْلُ نَقْصٌ، فوجب لله تعالى صفة العلو وتنزيهه عن ضده» (٢).

وكذلك العلو ثابت بالعقل، ولذلك يقول الإمام أحمد: «يقال للجهمي: إنَّ الله إذا كان معنا بعظمة نفسه. فقل له: هل يغفر الله لكم فيما بينه وبين خلقه؟ فإن قال: نعم. فقد زعم أن الله بائن مِنْ خلقه، وأن خلقه دونه. وإن قال: لا، كفر. وإذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أنه في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان. فقل له: أليس كان الله ولا شيء؟ فيقول: نعم. فقل له: حين خلق الشيء خلقه في نفسه، أو خارج عن نفسه؟ فإنه يصير إلى ثلاثة أقاويل لا بد له من واحد منها: إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه، فقد كفر حين زعم أنه خلق الخلق والشياطين وإبليس في نفسه، وإن قال: خلقهم خارجًا من نفسه، ثم دخل فيهم، كان هذا أيضًا كفر، حين زعم أنه دخل في كل مكان وحش وقذر. وإن قال: خلقهم خارجًا من نفسه، ثم لم يدخل فيهم، رجع


(١) أخرجه مسلم (٥٣٧)، وقد تقدَّم قريبًا.
(٢) «القواعد المُثْلى» (ص ٦٧).

<<  <   >  >>