وكذلك في قوله تعالى:{يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} فالسياق لا يدل على إثبات صفة الجنب لله سبحانه وتعالى، وإنما المعنى: التحسر على التفريط الذي وقع في حق الله سبحانه وتعالى.
ومثل قوله تعالى:{فأينما تولوا فثم وجه الله}، فليس المراد هنا صفة الوجه، وإنما المراد: القِبلة، لأنَّ الوجه هنا بمعنى: الجهة.
والأمثلة على ذلك كثيرة في النصوص، وليست هذه الآيات ونحوها من نصوص الصفات.
والسلف هنا لم يؤولوا هذه النصوص ولم يحملوا ما لا تحتمله، وإنما كان من منهجهم النظر إلى سياقها وما دلَّت عليه، فقد يكون من باب الصفات وقد لا يكون من بابها، وليس في هذا تأويل، أي: تحريف للنص عن ظاهره أو معناه، ولكن بعض الناس قد يتوهم أمرًا والنص لا يدل عليه ولا يُرشد إليها، وهذا في باب الصفات وفي غيره، وهو ما يسمى بالاشتباه النِّسبي.
فمثلًا أخبر الله سبحانه وتعالى أن القرآن كله محكم في قوله تعالى:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}، وأخبر أن كله متشابه فقال:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا}، وأخبر أن منه محكم ومنه متشابه؛ فقال:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}.
فلا يُمكن أن يقال: هذا تناقض، والحق أنه ليس من التناقض في شيء، فقوله:{أُحْكِمَتْ} بمعنى: أتقنت، فالقرآن كله محكم، بمعنى: متقن، ليس فيه اختلاف ولا تضاد، كما قال سبحانه وتعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}.