للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قُرْبِ الرَّبِّ مِنْ دَاعِيهِ وسائليهِ ومُستغفريهِ.

وقال مالك عن حديث النزول: «ولهذا أمضِ الحديث كما ورد بلا كيف ولا تحديد إلا بما جاءت به الآثار، وبما جاء به الكتاب، قال الله تعالى: {فلا تضربوا لله الأمثال} [النحل: ٧٤]: ينزل كيف شاء بقدرته وعلمه وعظمته، أحاط بكل شيء.

وقال بشر بن السري لحماد بن زيد: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؛ يتحول من مكان إلى مكان؟ فسكت حمَّادٌ، ثم قال: هو مكانه يَقرب من خلقه كيف شاء (١).

فمَا ذُكِرَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ- مِنْ قُرْبِهِ وَمَعِيَّتِه- لَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنْ عُلُوِّهِ وَفَوْقِيَّتِهِ، فَإِنَّهُ- سُبْحَانَهُ- لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي جَمِيعِ نُعُوتِهِ، وَهُوَ عَلِيٌّ فِي دُنُوِّهِ، قَرِيبٌ فِي عُلُوِّهِ، ولا ينبغي أن نسأل عن كيفية ذلك؛ لأن الله قد حجب ذلك عنا.

قالَ ابنُ القيِّم -رحمه الله-: «فَإِنَّ عُلُوَّهُ- سُبْحَانَهُ- عَلَى سَمَاوَاتِهِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، فَلَا يَكُونُ قَطُّ إِلَّا عَالِيًا، وَلَا يَكُونُ فَوْقَهُ شَيْءٌ البَتَّة، كَمَا قَالَ أَعْلَمُ الخَلق: «أَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْء»، وَهُوَ- سُبْحَانَهُ- قَرِيبٌ فِي عُلُوِّهِ، عَالٍ فِي قُرْبِهِ، كَمَا فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا بِالتَّكْبِيرِ فَقَال: «أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِه».

وَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، مُطَّلِعٌ عَلَى خَلقِهِ؛ يَرَى أَعْمَالَهُمْ، وَيَعْلَمُ مَا فِي بُطُونِهِمْ، وَهَذَا حَقٌّ لَا يُنَاقِضُ أَحَدُهُمَا الآخَر.


(١) انظر «مختصر الصواعق» لابن القيِّم (ص ٤٦٨).

<<  <   >  >>