ولمَّا بدأ القرن الثالث الهجري تولى نشر هذه البدعة بِشر بن غياث المريسي سنة ثماني عشرة ومائتين هجرية، ثم تلقاها أحمد بن أبي دؤاد سنة أربعين ومائتين هجرية، وزَيَّنها للمأمون حتى اعتنقها، وحمل الناس عليها وأكرههم على اعتقادها، وحذا حذوه مِنْ بعده أخوه المعتصم والواثق.
وفي زمن هؤلاء الثلاثة الخلفاء العباسيين نزلت المحنة والبلاء بعلماء أهل السنة والجماعة الذين ثبتوا في اعتقادهم على منهج السلف ورَدُّوا كيد المعتزلة في نحورهم ببيان الحق في كلام الله تعالى، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله ضُرِب في هذه المحنة؛ كي يَحصلوا منه على أدنى كلمة تُوافق مذهب الاعتزال- فلم يستطيعوا إلى ذلك سبيلًا، فثبت- رحمه الله- على التمسك بعقيدة السلف الصالح حتى كان سببًا في حفظ العقيدة السلفية الصحيحة التي حماها الله من التلوث ببراثن الجهمية والمعتزلة، وبيَّن رحمه الله بموقفه ذلك بُطلان ما دَبَّره الجهمية والمعتزلة من الكيد للإسلام، فبلغ الأمة فساد قولهم بأن القرآن مخلوق، ولم ترتفع تلك الفتنة، وهي فتنة القول بخلق القرآن إلَّا في زمن المتوكل سنة أربع وثلاثين ومائتين، وبسبب تلك المحنة التي امتُحن فيها أئمةُ الإسلام، وثَبَت فيها إمامُ أهل السُّنَّة أحمد بن حنبل تَنازع الناسُ في القرآن نزاعًا كبيرًا (١).
(١) انظر: «مباحث العقيدة في سورة الزمر»، لناصر الشيخ (ص ٥٣)، مكتبة الرشد، الرياض، المملكة العربية السعودية.