للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خَلَق البيتَ، وَسَمَّاه بَيت اللهِ.

وَلِهَذَا كانَ الكلامُ عندَ الجهميَّةِ والمعتزِلَةِ هُوَ الحروفُ؛ لِأَنَّ كلامَ اللهِ عندَهُم عبارةٌ عَنْ حروفٍ وأصواتٍ خَلَقَهَا اللهُ -عز وجل-، وَنَسَبَهَا إِلَيهِ تَشريفًا وَتَعظِيمًا.

قوله: «ولا المَعاني دون الحُرُوف»:

وَهَذَا مَذهَبُ الكُلَابيَّةِ وَالأشعَرِيَّةِ؛ فَكَلامُ اللهِ عِنْدَهُمْ مَعنًى فِي نَفسِهِ، ثُمَّ خَلَقَ أَصوَاتًا وَحُرُوفًا تَدُلُّ عَلَى هَذَا المَعنَى؛ إِمَّا عِبَارة أَوْ حِكَايَة.

واعلم أنَّ ابنَ القيِّمِ -رحمه الله- ذَكرَ أَنَّنَا إِذَا أَنكَرنَا أَنَّ اللهَ يتكلَّمُ فَقَد أَبطَلنَا الشَّرعَ والقَدَر.

أَمَّا الشرعُ؛ فَلِأَنَّ الرِّسالاتِ إِنَّمَا جَاءَت بِالوَحي، وَالوَحي كَلامٌ مُبَلَّغٌ إِلَى المُرْسَلِ إِلَيهِ، فَإِذَا نَفَينَا الكلامَ انتفَى الوحيُ، وإذا انتَفَى الوَحيُ انتَفَى الشرعُ.

أَمَّا القَدرُ؛ فَلِأَنَّ الخَلقَ يَقَعُ بِأَمرِهِ بِقَولِهِ: «كن»؛ فيكون، كَمَا قَالَ تَعَالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: ٨٢]» (١).

وكل الأقوال الباطلة المخالفة لمعتقد أهل السنة- ظهرت بعد عهد الصحابة الذي كان سليمًا من الشوائب والانحرافات المشئومة، ولم يُحْدِث القول بخلق القرآن إلا الجهمية من المعتزلة، وهو مِنْ أعظم الفتن التي مَرَّت بها الأمة الإسلامية في تاريحها، وكان أول من أحدث القول بخلق القرآن هو (الجعد بن درهم) سنة أربع وعشرين ومائة هجرية، ولما هلك أخذ الراية من بعده (الجهم بن


(١) «شرح الواسطِيَّة» (ص ٤٦٧ - ٤٦٨).

<<  <   >  >>