للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأشاعرةِ الذينَ قالوا: إِنَّهُ عبارةٌ، فالكُلَّابيَّة والأشاعرةُ متفقونَ عَلَى أنَّ هَذَا القرآنَ الذي بَينَ أيدينَا ليسَ كلامَ اللهِ، بَلْ هُوَ إِمَّا حِكَاية أَوْ عبارَة؛ فَالأشاعرةُ يقولونَ: إِنَّ اللهَ عَبَّرَ عن كلامِهِ النفسِيِّ بحروفٍ وَأصواتٍ مخلوقةٍ.

والكُلَابيَّة يقولونَ: إنَّ القرآنَ معنى قائم بذاتِ اللهِ، وأنَّهُ لا يُسْمَعُ عَلَى الحقيقةِ، والحروفُ والأصواتُ حكايةٌ لَهُ ودالَّةٌ عَلَيهِ، كَمَا يَحْكِي الصَّدَى كلامَ المتكلِّمِ.

وقوله -رحمه الله-: «بَلْ إذَا قَرَأَهُ النَّاسُ أَوْ كَتَبُوهُ فِي المَصَاحِفِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَلَامَ اللَّهِ حَقِيقَةً؛ فَإِنَّ الكَلَامَ إنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إلَى مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا، لَا إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا» - يريدُ به شيخُ الإسلامِ -رحمه الله-: أنَّ القرآنَ- وإن حُفِظَ في الصُّدورِ، أو تُلِي بالألسنِ، أو كُتِبَ في المَصاحفِ، أو سُمِعَ بالآذانِ- فإنَّ ذلكَ لا يُخرجُهُ عن كونِهِ كلام اللهِ وإن بلغهُ الرسولُ المَلَكِي جبريلُ للرَّسولِ البشريِّ محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وبلغَهُ نبينا محمَّد -صلى الله عليه وسلم- لأُمَّتِهِ، فإنَّ الكلامَ إنَّما يُضَافُ حقيقةً إلى مَنْ قالَهُ مُبتدئًا، لا إِلَى مَنْ قالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا.

قال العلَّامةُ ابنُ عُثَيمين -رحمه الله-: «قوله: «هو كلامُ الله؛ حُرُوفه ومَعانيه» - هذا مذهبُ أهلِ السُّنَّة والجَمَاعَة. قالوا: إنَّ اللهَ- تَعَالَى- تَكَلَّمَ بالقرآنِ بِحُرُوفِهِ وَمَعانِيهِ.

وقوله: «ليس كلامُ الله الحُرُوفُ دون المعاني». وهذا مذهبُ المعتزلَةِ وَالجهميَّةِ؛ لِأَنَّهُم يقولونَ: إِنَّ الكلامَ ليسَ معنًى يقومُ بذاتِ اللهِ، بل هُوَ شيءٌ مِنْ مَخلوقَاتِهِ؛ كَالسماءِ والأرضِ والناقةِ والبيتِ، وما أشبهَ ذلكَ؛ فليسَ معنًى قائمًا فِي نفسِهِ، فكلامُ اللهِ حروفٌ خَلَقهَا اللهُ -عز وجل-، وَسَمَّاها كلامًا، كَمَا خَلَقَ الناقةَ، وسمَّاهَا ناقة اللهِ، وَكَمَا

<<  <   >  >>