للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما المعتزلة والجهمية فقالوا: القرآن كلام الله مخلوق؛ فهم أضافوا الكلام إلى الله من باب إضافة الوصف على حد قولهم: (ناقة الله).

ومن المتفلسفة مَنْ يزعم أن المعاني والحروف تأليفه؛ لكنها فاضت عليه كما يفيض العلم على غيره من العلماء.

وقال شيخُ الإسلام: «وَاَلَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالأَئِمَّةُ: أَنَّ القُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَإِنَّمَا قَالَ السَّلَفُ: «مِنْهُ بَدَأَ» لِأَنَّ الجَهْمِيَّة- مِنْ المُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ- كَانُوا يَقُولُونَ: إنَّهُ خَلَقَ الكَلَامَ فِي المَحَلِّ. فَقَالَ السَّلَفُ: «مِنْهُ بَدَأَ». أَيْ: هُوَ المُتَكَلِّمُ بِهِ؛ فَمِنْهُ بَدَأَ، لَا مِنْ بَعْضِ المَخْلُوقَاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر: ١]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: ١٣]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: ٦]، وقَالَ تَعَالَى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: ١٠٢].

وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: «إلَيْهِ يَعُودُ»: أَنَّهُ يُرْفَعُ مِنْ الصُّدُورِ وَالمَصَاحِفِ؛ فَلَا يَبْقَى فِي الصُّدُورِ مِنْهُ آيَةٌ وَلَا مِنْهُ حَرْفٌ، كَمَا جَاءَ فِي عِدَّةِ آثارٍ» (١).

وأمَّا قوله -رحمه الله-: «وَأَنَّ هَذَا القُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- هُوَ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً، لَا كَلَام غَيْرِهِ» - فيريدُ به شيخُ الإسلامِ: أنَّ اللهَ تكلَّمَ بالقرآنِ حقيقةً، وَأَنَّهُ لَيسَ بِكَلَامِ جبريل، وَلَا كلامِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-.

وفي قوله -رحمه الله-: «وَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ القَوْلِ بِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ عِبَارَةٌ» - يُشير به إِلَى الكُلَّابيَّة الذينَ قالوا: إِنَّهُ حكايةٌ، وَإِلَى


(١) «مجموع الفتاوى» (٦/ ٥٢٨، ٥٢٩).

<<  <   >  >>